الاثنين، 19 نوفمبر 2012

تأملات محب في ديوان سيدي محمد المشري (في الرحاب)



في رحاب أعجوبة الزمان


سأبدأ بحول الله وقوته في مدونتي هذه ،استمدادا من حضرة الشيخ،  نشر تعليقات بعنوان "تأملات محب في ديوان سيدي محمد المشري".

وسأخصص لكل قصيدة أو قطعة تعليقا يخصها نفعا للجميع إن شاء الله مع أنني لست فارس هذا الميدان، لكني آمل أن تسعفني محبتي للمضمر في الديوان ولصاحب الديوان.

وكنت قد حققت هذا الديوان على شكل رسالة جامعية أعددتها للتخرج من كلية الآداب بجامعة نواكشوط عام 1986م إلا أن ذلك التحقيق كان في الجانب اللغوي البحت.

وستكون تعليقاتي هذه مشيرة لما يمكن ذكره من المضامين العميقة في السلوك والمحبة والدلالة على الله وهي المضامين التي يزخر بها هذا الديوان الدال على الله بكل حرف منه وبكل شكلة فيه.

وستكون هذه الحلقة الأولى تعريفا مختصرا لعلاقتي مع أعجوبة الزمان سيدي محمد المشري .

فقد نشأت أول ما نشأت على محبة سيدي محمد المشري وذلك لأمور كثيرة منها ما يربطه من علاقات خاصة جدا ،بوالدي الشيخ الهادي بن سيدي مولود فال رضي الله عن الجميع.

فقد كان الرجلان يشكلان في تصوفهما الأخص وفي علاقاتهما وروابطهما، شخصية واحدة وكان بينهما من المحبة في ذات الله تبارك وتعالى ما لا يمكن وصفه ولا يدرك كنهه.

وكان من قدر الله أن قريتي معطى مولانا محل سيدي محمد المشري وتن بني علي قرية سيدي الشيخ الهادي متقاربتان لا يفصل بينهما سوى خمسة أميال تقريبا فالأخيرة تقع غرب الأولى فساهم ذلك القرب في التواصل اليومي بين الرجلين .

وكان سيدي محمد المشري ينسق جميع أموره ،سواء تعلق الأمر بخدمة الشيخ رضي الله عنه التي هي مربط الفرس أو تعلق بالأمور الحياتية العادية ،مع الشيخ الهادي فالرسل بينهما نشطون على مدى ساعات النهار وحتى ساعات الليل والمعلومات بينهما متداولة.

وقد تمنى الوالد في أحد لقاءاته بسيدي محمد المشري أن يكون هناك هاتف بين معطى مولانا وتن بني علي ؛وقد قال سيدي المشري يوما لسيدي التلميد بن عبد الله :"لم أر أعلى همة من السيد الهادي فقد أخبرني بأنه يتمنى وجود هاتف (تلفون) بين تن بني علي ومعطى مولانا".

وقد تحققت هذه الأمنية فيما بعد مع ظهور الهاتف الخلوي.

كان سيدي محمد المشري يرتب مع الوالد أسفاره لمدينة الشيخ في كولخ لحضور موسمي المولد النبوي ورمضان فيتفقان على نقطة يلتقيان فيها ليترافقا إلى السنغال.

وإذا سافر سيدي محمد المشري إلى كولخ  خارج المواسم فإنه يمر لزوما بالوالد قبل الوصول إلى معطى مولانا ليطلعه على أخبار الشيخ وعلى حصيلة السفر وعلى جديد أمور الفيضة.

وقد أحصينا في مخطوطات الوالد أزيد من 80 نصا ما بين برقية وتقرير موجهة من سيدي محمد المشري للشيخ الهادي ولا شك أن ما ضاع من رسائله بسبب الترحال البدوي أكثر بكثير مما وثقناه بعد وفاة الوالد.

كما أن في مخطوطات سيدي المشري بدون شك نظير هذا العدد من الرسائل الموجهة من الوالد.

وتتحدث هذه الرسائل وهذه البرقيات عن جميع الأمور منها ما يتعلق بأخبار الشيخ ومنها ما يخص التنسيق في ضيوف الحضرة الذين يزورون المنطقة ومنها ما يخص العلاقات مع السلطات وفيها ما جد من أخبار العاصمة نواكشوط وفيها تبادل للمصالح الأخرى.

إنها تؤكد التكافل والتعاضد بدون حدود فكأنما الأمر يخص أسرة واحدة.

أما تبادل الزيارات فقد كان يوميا حيث كان يتم بالتنقل على الإبل أولا ثم ساهم ظهور سيارات لاندروفر واقتناء الشيخين لسيارتين عابرتين للرمال في تيسير التلاقي الذي كان يوميا.

وأذكر أن سيدي محمد المشري كان حريصا على عقد مجلس يومي بعد صلاة العصر في تن بني علي وكان المجلس علميا وفيه من الفائدة الشيء الكثير ،وكان سيدي المشري يعقد هذا المجلس شبه اليومي في منزل الوالد إذا كان حاضرا وإذا غاب عقده في منزل السيد محمدو بن الرباني الذي تربطه بسيدي المشري علاقة خاصة جدا.

كنا جميعا نعظم سيدي محمدالمشري أعجوبة الزمان والناطق الرسمي باسم الحضرة وشكلة دالها ،وكنا نعتقد بأنه في مقامه وفي تقدمه على الجميع يشبه سيدناعليا بن ابي طالب فكما أن سيدنا عليا هو باب مدينة علم الشريعة فكذلك سيدي محمد المشري نرى أنه هو باب مدينة الحقيقة.

وعندما تعلق الوالد لي بأن أكون شاعرا للترحيب بضيوفه والتعبير عن حضرته بدأت أتعلم العروض وأقطع الشعر على ميزان العروض وكنت أنظم مقطوعات أعرضها على الوالد فتارة يستحسنها وتارة يسكت عنها.

وفي أحد تلك الأيام قال لي :سيأتي السيد محمد المشري مساء اليوم فاعرض عليه شعرك هذا لأنه شاعر فإن أقرك عليه فواصل وإلا فاترك هذا الامر.

فقمت بإعداد أبيات عرضتها على سيدي المشري في مجلس كبير ،ومنها:

وإذا سئلت عن الحبيب فإنه       برهام فيه مدى الزمان أهيم

عن حبه لا مي تشغلني ولا         ليلى فليلائي إبـــــراهيم

ورغم أن نظم الأبيات كان عاديا جدا،فقد شفع لها تعبيرها عن محبة الشيخ عند سيدي المشري الذي أشاد بها وشجعني على قرض الشعر وقال:

إن بداية عبد الله هذا في قرض الشعر أحسن من بدايتي فقد كانت بدايتي قطعة أقول فيها:

أسيدنا الربان المامون والمكي     عليكم سلام كالجواهر في سلك

..ثم قال لي :واصل قرض الشعر فستكون شاعرا بحول الله.

ولعل هذا الأمر كان تصرفا من سيدي المشري ساهم في تيسير هذا الفن على غلام مبتديء.

لقد ملأ سيدي محمد المشري الدنيا وهيمنت شخصيته على الجميع وشكلت مواقفه وخدماته للشيخ ومنافحته عن الفيضة مثالا نفع الله به الجميع.

وقد زاد من محبتي فيه أنني بعد ما من الله علي بتمييز مفردات وجمل الحقيقة اسما وفعلا وحرفا ،لاحظت أن ديوان سيدي المشري ليس الديوان الذي حققته عام 1986م فقد قمت إذ ذاك بتحقيق بدائي لقشر الديوان أما لب الديوان فهو بعيد الغور والمدرك "وما يعقلها إلا العالمون".

أما السياحة في لب الديوان فليست بالأمر السهل "وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" ،فالسياحة فيه بحسب التمكن من تمييز النسب والضمائر وبحسب الترقي والتدلي في مشاهدة ومراقبة ومعرفة الحقائق والحضرات والمظاهر.

وكانت الوالدة السيدة عائشة متعنا الله بها ممن كشف الله له مبكرا عن مكانة ومعارف سيدي محمد المشري فجمعت شعره وأجوبته وأشرطة خطبه ونقلت خطبه باللهجة الحسانية من الأشرطة في دفاتر بذلت فيها الجهد الجهيد،فهي تتعهدها بالتصحيح والمذاكرة دائما بحمد الله تعالى.

وعند ما التحق سيدي محمد المشري بالرفيق الأعلى في 30 يونيو 1975م أظلمت الدنيا وتأيمت الفيضة وتيتمت الطريقة وكان حادث غيابه تحضيرا لغياب صورة الشيخ في 15 رجب 1395هـ ،وكما قال سيدي الشيخان راثيا سيدي المشري:

لله ما أخذ المولى وما تركه       وفي بقية ما يبقي لنا البركه

وعندما راجع أهل الفيضة المتحققون ميراثهم من الفيضة بعد غياب سيدي محمد المشري وجدوا أن تراثه المؤلف من خطبه نهج بلاغة العارفين ومؤلفاته وأجوبته بإشارات أهل الحقيقة وديوانه الرائع ،هو أعظم  شيء بين أيديهم وأبقى وأنفع ما لديهم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعظم حظنا من ذلك وأن يجعلنا من المنتفعين به بجاه حضرة الإطلاق

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق