السبت، 30 نوفمبر 2019

رسالة إرشاد السادة إلى مطلع السادة للوالد الشيخ الهادي رضي الله








إرشاد السادة

إلى مطلع السعادة




***********























تأليف
 الشيخ محمد الهادي
بن سيدي مولود فال

 الشنقيطي التجاني الإبراهيمي


























بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبيه الكريم



مقدمة يفهم منها المقصود

 أما بعد،

 فهذه مقدمة لهذه الرسالة لمحررها وجامعها العبد الفقير الذليل الراجي من المولى غفران ذنبه الهادي بن سيدي مولود فال(1) لطف الله به آمين، وهي توطئة يفهم منها المقصود من الرسالة والسبب الباعث على كتابتها:



الحمد لله الذي فتح لأوليائه طريق الوسائل وأجرى على أيديهم الكريمة أنواع الفضائل فمن اقتدى بهم انتصر واهتدى ومن حاد عن طريقهم انتكس وتردى ومن تمسك بأذيالهم أفلح وأدرك ومن قابلهم بالاعتراض انقطع وهلك، أحمده حمد من علم أن لا ملجأ منه إلا إليه وأشكره شكر من تحقق أن خير الدنيا والآخرة بيديه وأستعينه استعانة من لا يعول في الأمور إلا عليه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الفاتح الخاتم ناصر الحق بالحق والهادي إلى الصراط المستقيم وعلى آله واصحابه حق قدره ومقداره العظيم، ورضي الله عن شيخنا ووسيلتنا إلى ربنا القطب المكتوم والبرزخ المعلوم خاتم الولاية المحمدية وصاحب الحضرة الأحمدية شيخنا أحمد بن محمد التجاني(2) الحسني رضي الله عنه وأرضاه وعنا به آمين ورضي الله عن شيخنا صاحب الفيضة التجانية(3) المتدفقة من حضرة الختمية والكتمية أبي إسحاق الشيخ الحاج إبراهيم نياس(4) عبد الله حقيقة رضي الله عنه وعن أصحابه.

والرضا التام الأكمل عن شيخنا ووسيلتنا إلى ربنا القطب المكتوم شيخنا أحمد بن محمد التجاني القائل: "لا يشرب ولي ولا يسقى إلا من بحرنا"، والقائل: "أنا رجلها من قاف إلى قاف"، والقائل: "كل الشيوخ أخذوا عني"، والقائل أيضا: "قال لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم أنت من الآمنين وكل من أحبك فهو من الآمنين"، وهو القائل أيضا: "ستأتي فيضة على أصحابي حى يدخل الناس في طريقنا أفواجا أفواجا، تأتي هذه الفيضة والناس في غاية ما يكون من الضيق والشدة".

 وكان من قضاء الله تعالى أن ظهور هذه الفيضة المنبثقة من دائرة الفضل صادف زمنا أجدبت فيه أرض القلوب وعم فيها المحل شرقا وغربا وصار مراض القلوب يبحثون شرقا وغربا ولا يجدون من يدلهم على ربهم فضاقت عليهم الأرض بما رحبت.

 فضجت الأرواح إلى الله بالتضرع والابتهال سائلة أن يمطرها مطرا يزيل عنها ما هي فيه من الجدب والمحل بظهور مرشد يرشدها إلى مولاها فأجاب الله دعاءها وأمطرها مطر من رحمته التي وسعت كل شيء بظهور صاحب الفيضة التجانية عام ثمانية وأربعين وثلاثمائة وألف ولله الحمد والشكر،فتصدر لإفادة الخلق بالعلوم اللدنية الوهبية والمعارف الربانية لياليه وأيامه صباحه ومساءه حتى زال المحل عن أرض القلوب والجسوم وعمت بركاته شرقا وغربا ظاهرا وباطنا ووجد الكل الخير سوى من أعرض عنه والعياذ الله.

 وقد نقل عن شيخنا التجاني رضي الله عنه أن "من أعرض عن ولي زمانه فكأنما أعرض عن نبي زمانه" ..إلخ، ولا شك ولا ريب أن الشيخ إبراهيم عبد الله حقيقة هو ولي الزمان المطلق وصاحب الفيضة التي ذكرها الشيخ التجاني رضي الله عنه بل وخاتم الختمين مطلقا.

فلما كشف الله بيني وبينه الحجاب واجتمعت به وبايعته وأسلمت له القياد بعد منازعة مع النفس والشيطان سأذكرها إن شاء الله في هذه الرسالة وكان ذلك في اليوم الثاني من شهر الله في رمضان عام اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف ومكثت معه رمضان وشوال وذي القعدة وذي الحجة من نفس السنة ثم المحرم وصفر وربيع الأول وربيع الثاني من العام الموالي، أمرني في آخر ربيع النبوي بالرجوع إلى الأهل.

 وفي هذه المدة وردت على الشيخ من الأهل ومن الوالدات خصوصا، عدة رسائل في خبرنا نحن التلامذة تتضمن طلب رجوعنا إليهم مع استشكال طول مكثنا والتساؤل عن أسبابه.

 فكان أن كتبت للأهل وبخاصة للوالدة السيدة صفية بنت الشيخ أحمدو بن الشيخ محمد الحافظ، رسالة أذكر لهم فيها بعض خبري وأخبار من معي من أبناء السادات العلويين وغيرهم..،وسميت هذه الرسالة "البادة في الاعتذار عن أهل الجادة"، وقد ضاع النص الأصلي للرسالة إلا أني بقيت أحفظ منها البعض لأنها طويلة فصرت كلما تحدثت مع الأخوان وأتى موجب لاستعراضها وعرضت ما علق بحفظي منها يطلبها الإخوان مني ويستحسنونها ويلحون علي ليكتبوها فأقول لهم إنها ضاعت مني فيطلبون أن أحصل لهم ما حفظته منها وأجتهد في تذكر ما نسيت منها، فلما تكرر منهم ذلك صليت الاستخارة وأحضرت همة الشيخ وشرعت في تحصيل ما حفظته وما تذكرته منها مع علمي بأني لست أهلا لتحرير الرسائل.

وساعدني في الأمر أن الرسالة كانت واردا وقد كتبتها على حكم الوارد لأن الوارد يكتب على الكيفية التي ورد عليها.

 وقد أضفت إلى نص الرسالة الأصلي زيادات أوردتها في محالها، ومن تلك الزيادات بعض من ترجمة الشيخ التي ترجم له بها في كاشف الألباس كاتبه وخازن سره السيد علي سيس أطال الله حياته وقوى بدنه وكبعض من كلام الشيخ التجاني رضي الله عنه الذي استطردته على سبيل الاستشهاد.

 وقد غير السيد على سيس(5) اسم الرسالة حيث قال في رسالة التقريظ الموجودة في آخر النبذة والمكتوبة بأمر من الشيخ، أن رسالتي تعتبر بحق "إرشاد السادة إلى مطلع السعادة"، فثبت للرسالة هذا الاسم، ولله در قلم الفيضة فما أحسن هذا الاسم الذي اختاره بنور من الله وما أكمل دلالته على مضمون الرسالة.

  وهذا أوان الشروع في الرسالة والله المستعان وبه التوفيق وهو الهادي بمنه إلى سواء الطريق.

































الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى



فإلى عامة إخواني وأقاربي وخصوصا والدتي السيدة صفية بنت الشيخ أحمد بن الشيخ محمد الحافظ العلوي(6) التجاني،



 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..ما تعاقبت زفرات المحب وعبراته،



سلام امرئ لم تبق منه بقية

سوى نظر العينين أو لوعة القلب



سلام محب حافظ لوداده


وإن ظنه من ليس يدري مقصرا



يليه إعلامكم أن الباعث على كتب هذه الرسالة هو إخباري لكم ببعض خبري الخاص وإطلاعكم أيضا على أخبار من معي من أبناء السادات العلويين وغيرهم من ابتداء سفري من عندكم إلى ما أنا فيه الآن، والذي حملني على عدم كتابتها قبل هذا الوقت هو أنه ما كان بإمكاني التكلم في المجاز.

أما خبر الخروج إلى كولخ فإني خرجت من عندكم مريضا غاية المرض وكنت حائرا في مرضي، فأنا عارف بمرضي وجاهل له في نفس الوقت وكنت أتصامم عن كل ذلك.

وأما مرضي فليس شيئا سوى التصدر للمشيخة قبل الاتصاف بها واستجماع أسبابها بل بمجرد البنوة للمشائخ قبل تصحيح تلك البنوة أيضا وهذا أقبح كسب، وسوء الاكتساب يمنع الانتساب.

فمن تصدر للمشيخة قبل الاتصاف بها باطنا وظاهرا فهو في ضلال مبين بل هو واقع في الهلاك، ومتى امتحن المتصدر للمشيخة غير المتصف كذبته شواهد الامتحان،قال البوصيري(7) رحمه الله:

والدعاوى ما لم تقيموا عليها


بينات أبناؤها أدعياء

وفي الحديث الصحيح "من تشبع بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور"(8).

 وسبق للشيخ محمد عبد الرحمن التندغي أن نظم شعر من كلام حسان في هذا المعنى ونصه:

المشيخ حل امشكلات

واستلميد اخلاص التوحيد


والباس المشيخ ما فات

أصحح من بل استلميد

كذبه ماه كد الكذبات

وافطن عن ضلال ابعيد

وهذا معناه أن المشيخة التي تسمى مشيخة هي التي يحل صاحبها مشكلات الظاهر والباطن وباب الوصول إخلاص التوحيد لله ومن أراد لبس لباس المشيخة قبل أن يصححه من محل الإرادة فقد ارتكب كذبا كبيرا وضلالا بعيدا. ولله در تاج الدين الشريشي السلوي(9) حيث يقول في قصيدته المشهورة أنوار السرائر:

وللشيخ آيات إذا لم تكن له


فما هو إلا في ليالي الهوى يسري


إذا لم يكن علم لديه بظاهر

ولا باطن فاضرب به لجج البحر

وإن كان إلا أنه غير جامع

لوصفيهما جمعا على أكمل الأمر

فأقرب أحوال العليل إلى الردى

إذا لم يكن منه الطبيب على خبر

وآياته ان لا يميل إلى الهوى

فدنياه في طي وأخراه في نشر

وقد قال أحد الحكماء(10): إن من شروط المشيخة علم صحيح وذوق صريح وهمة عالية وحالة مرضية وبصيرة نافذة ومن لم تكن هذه صفته فقد أفسد نفسه ومن اتبعه اللهم أسترنا بسترك الجميل الذي سترت به نفسك.



أول لقاء بالشيخ

لما أتيت إلى كولخ لقيت طبيبا ماهرا عارفا بجميع الأمراض الظاهرة والباطنة وأعني الشيخ الحاج إبراهيم نياس الذي هو الشيخ بجميع مراتبه ولسان وقته ونور زمانه ونسيج وحده محل نظر الله من خلقه والباب المفتوح لكل من يريد الولوج لحضرة قدسه فريد دهره في العلم والدين ونسيج أوانه في تربية المريدين علم المهتدين وخاتمة المحققين في القرن الرابع بعد الألف، بهجة الليالي والأيام وحجة العارفين الأعلام غرة الأمة المحمدية وناصر الطريقة الأحمدية الإبراهيمية الحنفية وزبدة رجالها الأجلة مطلع شمس العلوم والمعارف ومجمع بحر العلوم والعوارف الحرز المنيع والكهف الرفيع درة تاج الصديقين الكرام وواسطة العقد النفيس من الأقطاب الأعلام رافع رايات المكارم بين الأنام الجامع لما افترق من علوم القوم بأسرها من أول الأمة إلى آخرها أخو الأخلاق الحسنة المرضية والشمائل القدسية المحمدية المنتهي في العلوم الحقانية الوهبية والمعارف الربانية الرحمانية إلى المرتبة التي يقصر عن وصفها الإطناب والإسهاب فضلا وتفضيلا من الكريم الوهاب عديم النظير والمثال في الحال والمئال من تسنم قنن المجد والصفاء والكمال بالوراثة المحمدية والتربية الختمية المتوج بتيجان الجواهر الحسنة الأنيقة صاحب الإشارات الخفية والإفادات العظيمة والعبارات المفهمة شيخنا ووسيلتنا إلى الله القطب الفرد الرباني والعارف الكبير الصمداني الشيخ ابراهيم ابن الحاج عبد الله التجاني.

أسامي لم تزده معرفة وإنما لـذّةٌ ذكرناهـا(11)



الجهاد الأكبر

فلما سبرت أخبار هذا الشيخ ورأيت كثرة وتنوع من شفي على يديه من الخلق بارك الله فيه وأكرمني الله تبارك وتعالى بأن أظهرني بفضل رحمته ورضاه على ما أعانيه من مرض قلبي بعد أما أخفاه عني مدة، تاقت روحي إليه.

فمكثت أياما ونفسي تنازعني وتغرني كما كانت تفعل بي أولا وتقول لي: ليس بك مرض ولا تحتاج إلى طبيب وتقول لي أيضا: يكيفك كونك ابنا لسيدي مولود فال وللشيخ محمد الحافظ وهما مشايخ الطريقة وساداتها وهما أول من أتى بها إلى هذه البلاد وذريتهم ربوها في الأرحام وغير وغير، من مقولاتها التي تغر بها المخدوعين الضالين وما أكثرهم.

 ويا للعجب ممن يكتفي بمجرد الانتساب عن الاقتداء بولي خاص يدله على الله.

 فلو أن الآباء الذين يتعزز بهم ويكتفي بالانتساب، اكتفوا بالانتساب لما نالوا ما نالوا.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 ومع أنني قد انتبهت من نوم الغفلة فقد أوقعتني النفس في حيرة كما هو حالها مع كل متوجه للخير.

 فلما رأيت ما وقع لي امتثلت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستخارة، فقد ورد في الأثر: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار.

وقد استخرت في هذا الأمر، مع أنه من الأمور الذي لا يستخار عليها لشدة الاحتياج إليها،بالاستخارة النبوية(12) كما قمت باستشارة الشيخ التجاني رضي الله عنه أيضا (13) التي قال إنه لا يقع بعدها إلا الخير التام،كما هو معلوم.

ثم إني طالعت كتب الطريقة لمعرفة أوصاف الشيخ الذي يجب على من عثر عليه أن يسلم إليه القياد.

وقد طالعت بإمعان شديد هذا الكلام الذي ورد في جواهر المعاني فوقع مني أحسن موقع وهو:



"إعلم أن سيدنا رضي الله عنه سئل عن حقيقة الشيخ الواصل وما هو، فأجاب: أما ما هو حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظر للحضرة الإلهية نظراً عينياً وتحقيقاً يقينياً، فإن الأمر أوله محاضرة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر كثيف ثم مكاشفة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، ثم مشاهدة وهو تجلي الحقائق بلا حجاب ولكن مع خصوصية ثم معاينة وهو مطالعة الحقائق بلا حجاب ولا خصوصية ولا بقاء للغير والغيرية عيناً وأثراً وهو مقام السحق والمحق والدك وفناء الفناء فليس في هذا إلا معاينة الحق في الحق للحق بالحق.

فلم يبق إلا الله لا شيء غيره      فما ثم موصول وما ثم بائن

ثم حياة وهي تميز المراتب بمعرفة جميع خصوصياتها ومقتضياتها ولوازمها وما تستحقه من كل شيء ومن أي حضرة كل مرتبة منها ولماذا وجدت وماذا يراد منها وما يؤول إليه أمرها وهو مقام إحاطة العبد بعينه ومعرفته بجميع خصوصياته وأسراره ومعرفة ما هي الحضرة الإلهية وما هي عليه من العظمة والجلال والنعوت العلية، والكمال معرفة ذوقية ومعاينة يقينية، وصاحب هذه المرتبة هو الذي تشق إليه المهامة في طلبه لكن مع هذه الصفة فيه كمال إذن الحق له إذناً خاصاً في هداية عبيده وتوليته عليهم بإرشادهم إلى الحضرة إلالهية، فهذا هو الذي يستحق أن يطلب، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي جحيفة: سل العلماء وخالط الحكماء واصحب الكبراء.

وصاحب هذه المرتبة هو المعبر عنه بالكبير، ومتى عثر المريد على من هذه صفته فلازم في حقه أن يلقي نفسه بين يديه كالميت بين يدي غاسله لا اختيار له ولا إرادة ولا عطاء له ولا إفادة وليجعل همته منه تخليصه من البلية التي أغرق فيها إلى كمال الصفاء بمطالعة الحضرة إلالهية بالإعراض عن كل ما سواها ولينزه نفسه عن جميع الاختيارات والمرادات مما سوى هذا، ومتى أشار عليه بفعل أوامر فليحذر من سؤاله بلم وكيف وعلام ولأي شيء؟ فإنه باب المقت والطرد، وليعتقد أن الشيخ أعرف بمصالحه منه وأي مدرجة أدرجه فيها فإنه يجري به في ذلك كله على ما هو لله بالله بما في إخراجه عن ظلمة نفسه وهواها..).



وقد تحققت أن هذه الأوصاف مجتمعة في الشيخ إبراهيم رضي الله عنه.



النهوض إلى الشيخ



ولما استجمعت أمري وعقدت نيتي نهضت إلى الشيخ وطلبت منه التجديد والدخول في التربية فقال أنت لا تحتاج إلى شيء أنت كذا وكذا..، فقلت له اعلم سيدي أني ما أتيتك إلا بعد تحققي لمرضي وتألمي منه وتحققي بأنك طبيب وأنك صاحب الفيضة التي ذكرها شيخنا التجاني رضي الله عنه.

 وأرادت النفس أن تردني عنك بأباطيلها وزخارفها كما فعلت للكثير من أبناء جنسي فجاهدتها جهادا أكبر من الجهاد بالسيف حتى غلبتها ولله الحمد والآن لا بد لي مما طلبت.

 فلما علم الشيخ من حالي الصدق في الطلب والتعطش وأني لا بد لي من الدخول في عهده الخاص أقبل علي وجدد لي بعد محادثة فيها بشائر ولله الحمد والشكر ووقع ذلك ليلة الجمعة الثانية من رمضان وتلك بشارة أيضا عام اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف فأنشد لسان الحال:

فألقت عصاها واستقر بها النوى


كما في عينا بالإياب المسافر(14)





أولئك آبائي فجئني بمثلهم


إذا جمعتنا يا جرير المجامع(15)

 


الشيخ يكشف للسيد الهادي عن تتلمذه




من غريب الأمر قصة وقعت بيني مع الشيخ في العام الذي سبق أخذي عليه تدل على أنه كوشف بأمري قبل إتيان إبانه.

فقد دخلت عليه يوما وقلت له يا سيدي أنا أشكل علي شيء في جوهرة الكمال(16). فقال لي ما هو’ قلت له ورد في الجوهرة "اللهم صل وسلم على عين الرحمة" والرحمة صفة لله فهل معنى هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة لله، فتبسم، وقال لي: إذا رجعت إلى الأهل وأتيتنا في العام القابل فإنك لن تسأل بعد عن هذا. وكان من قضاء الله تعالى أنني رجعت إليه لأخذ عهده كما ذكرت آنفا، فدلت هذه الحكاية على أنه كوشف بأمري قبل إتيان إبانه.



بدء التربية والفتح المبين



بعد هذا ألقيت جميع المتعلقات وراء ظهري وشرعت في التربية بعد ما أخذت أذكارها واعتزلت عن الناس لأن المريد الداخل في إطار التربية تضره مخالطة الناس فمكثت مدة في التربية تزيد على شهر وفي تلك المدة لا أدري هل أنا في أشد العذاب أم أنا في أشد النعيم فعذابي لشدة تراكم الحجاب علي ونعيمي لأني صرت من عبيد الحضرة.

 فلما طهر البيت لصاحبه وطردت الأعداء منه أعني النفس والشيطان والوهم ولم يبق محل للغير والغيرية جذبتني الذات إليها جذبا كليا حقيقيا فاستغرفت فيها واستغرق استغراقي فيها ولم يبق شعور بشيء فصار كلي جزئي وجزئي كلي وصار الكل هو وهو الكل وأنشد لسان الحال:

فلم يبق إلا الله لا شيء غيره

فما ثم موصول وما ثم بائن

فتفرقت ذاتي في الذات واجتمعت فيها ولم تخش افتراقا، فأنشد لسان الحال:

مذ رأيت الإله لم أر غيرا


وكذا الغير عندنا ممنوع


مذ تجمعت ما خشيت افتراقا


فأنا اليوم واصل مجموع

فاشتد تحفظ الشيخ رضي الله عنه علي ورعايته لي في هذا المقام لأن هذا المقام غرر عظيم على العقائد ربما ينصر وربما يمجس ما لم يلق صاحبه عين الرحمة؛ ولأن صاحب هذا المقام أيضا لا بد له من مصاحبة شيخ عارف كامل ولا يفارقه ما دام في هذا الحال لأنه مسلوب الاختيار حتى يزداد صحوا فيصحو جمعا في فرق وفناء في بقاء ومشاهدة حق وخلق ووجودا في عدم مع كمال الإيمان والأكوان أثبتها إثبات الحق ومحتها أحديته (ذلك بأن الله هوالحق وأنما تدعون من دونه الباطل)، ثم سلك بي رضي الله عنه، طريق الحقائق والأسماء حتى عرفت الألف والباء والنقطة والشكلة وعرفت أن الألف لا يعرف ولا يميز إلا بالباء والباء لا يعرف ولا يميز إلا بالنقطة والكل لا يعرف ولا يقرأ إلا بالشكلة ولأجل ذلك فمن لم يعرف الشكلة لا يميز هذه الحقائق ولا يعرفها حق المعرفة (ذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم). وهذا كله إشارات لأن السر لا يفشي، فهذا العلم هو العلم الحقيقي الذي لا نقل فيه ولا رواية.



بين الظاهر والباطن



ولا يقدح ما قلته قبل قليل في العلم الظاهر لأن الظاهر للظاهر والباطن للباطن والجمع بينهما هو الأحسن بل هو الكمال وسر ذلك أن الله تبارك وتعالى تسمى باسمين الظاهر والباطن وجعل لكلا الاسمين خداما فأهل العلم الظاهر هم خَدَمَة اسمه الظاهر وأهل العلم الباطن هم خَدَمَة اسمه الباطن وجعل أهل الظاهر قسمين قسم عالم باسمه الباطن ومصدق به وبأهله إلا أنه جاهل به من حيث المشاهدة وقسم ناف لوجوده ومنكر على أهله ومعاد لهم ومكفر لهم فالقسم الأول هم علماء السنة الذين نور الله بواطنهم وطالعوا كتب الصوفية وصدقوا بما فيها والقسم الثاني هم جلامدة الفقهاء الذين أظلم الله بواطنهم وكذبوا بأهل التصوف وبكتبهم نعوذ بالله من ذلك.

 و خَدَمَة اسمه الباطن أيضا على قسمين قسم لا شعور لهم بالظاهر وهو محض العبث عندهم وهم المجاذيب الذين لم يسلكوا بعد جذبهم وقسم جذبوا وسلكوا وشاهدوا الظاهر ظاهرا والباطن باطنا وأعطوا للظاهر آدابه وللباطن آدابه فبذلك صاروا متفقهين متصوفين جامعين بين الشريعة والحقيقة فصاروا بذلك خَدَمَة الذات ليسوا خَدَمَة اسمه الظاهر فقط ولا خَدَمَة اسمه الباطن فقط إنما هم خَدَمَة الذات جعلنا الله من أهل هذا القسم لأن ما سواه من الأقسام كلا ناقص ولو بلغ صاحبه ما بلغ فيما هو فيه وفي هذا المعنى يقول شيخنا الشيخ إبراهيم بن الحاج عبد الله:

يا أيها المجذوب إن لم تسلك


فانت ابتر فويك فاسلك


ويا أيها السالك إن لم تجذب

أنت محجوب فسائر وانصب


وإنما الكامل من قد جمعا

بين المقامين فهذا من سعى



جعلنا الله من الذينا

قد جذبوا حقا ويسلكونا

بجاه نجل الحاج عبد الله

مرشد كل غافل ولاه

إمام أهل الفيضة التجاني

في عصره وحجة العرفان

وجاه ختم سلكنا التجاني


وجاه جده النبي العدنان


صلى عليه الله ما دام الأبد

من أزل الأزل فالله أحد



ومن أمثلة أهل التصوف أن علم الظاهر بمنزلة القشر وعلم الباطن بمنزلة اللب فقشر لا لب فيه خال من الإخلاص الذي هو لب الأعمال ولب لا قشر له معرض للتلف لأنه ليس له ما يحفظه ولأجل هذا لا بد من الجمع بين العلمين.

 ومن ذلك قول إمامنا مالك رضي الله عنه(17): "أن من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق"، وقالوا أيضا أن علم الباطن تسعة وتسعون سطرا مكتوبة بالذهب وعلم الظاهر سطر واحد مكتوب بالمداد.

واعلمي، أيتها الوالدة، وليعلم غيرك من أمهات التلامذة الذين من الله عليهم بالاتصال بهذا الشيخ لأجل التربية واللائي استبطأن عودة أبنائهن أن الشيخ لا حاجة له فينا ولم يصنع بنا شيئا وعنده من التلامذة ما يكفيه وإذا اجتمع من في البادية من البيض والسود لا يبلغ معشار عشرهم بارك الله فيه وفيهم.

لكن حال الشيخ معهم حال من تعينت عليه جنازة يجب عليه تجهيزها والمريض أيضا إذا فارق الطبيب قبل اكتمال شفائه لا بد أن يرجع له المرض كله أو يعسر دواء الباقي.

واعلمي ايضا وليعلم غيرك أن هذا الذي طلبته لدى هذا الشيخ وطلبه مثلي سبق أن طلبه الرجال قبلنا بل وطلبوه في ارض بعيدة. 



طلب الشيخ محمد الحافظ  وسيدي مولود فال للمربي

أضرب لك،أيتها الوالدة، المثل بجدك الشيخ محمد الحافظ الذي مكث سنتين مع سيدي عبدالله بن الحاج ابراهيم العلوي(18) يدرس العلم الظاهر كما قال مريده وخليفته الشيخ محمدي بن سيدين (19) في قصيدته التي يمدحه بها:

وجاور عبد الله عالم دهره

                        وعلله بالكأس بعد نهول

وكان الشيخ محمد الحافظ يسأل الله بعد كل صلاة أن يهديه ويدله على شيخ مرب.

 فلما أكمل تعلم العلم الظاهر خرج مسافرا ظاهر أمره أنه يقصد حج بيت الله الحرام وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وباطن أمره أنه يبحث في أرجاء الأرض لعل الله أن يطلعه على شيخ مرب وقصته مبسوطة في البغية و الكشف كما هو معلوم.

وقد هتف به هاتف وهو في الطواف قائلا له: شيخك الشيخ التجاني فابحث عن هذا الإسم, فدل على سيدي علي حرازم وهو وقتئذ هناك فاجتمع به فعرفه بالشيخ وبموطنه, فيمم فاس في رجوعه فاجتمع بالشيخ التجاني رضي الله عنه ومكث معه ما مكث ومنه سافر إلى أهله في ذلك يقول الشيخ بدي في الرائية:

فبستة حول النبي أقمتها

متمسكا بالبيت ذي الأستار


وسنين في أرجاء فاس مكثتها

تأوي بها لمعشش الأنوار

تأوي إلى قطب الزمان وغوثه

ينهي إليك ضنائن الأسرار

حتى رآك إذا تجاري سابقا

نحو المعارف حلبة المضمار


ولاك فاستقبلتها بتأدب

وتواضع وسكينة ووقار

وأتيتنا عطشى لمثلك جوعا


فكفيت من ظمإ ومن إقتار



وأما سيدي مولود فال فأمره معروف في هذا المجال حيث ذهب هو الآخر يبحث عن الشيخ المربي كما ثبت لدينا، فلما ساقه سائق السعادة إلى ملاقاة الشيخ محمد الحافظ وأخذ عنه الطريقة وأعطاه ما عنده من لوازمها وأسرارها وقدمه ما استكفى بذلك فاستأذن الشيخ محمد الحافظ في السفر إلى فاس لطلب ملاقاة الشيخ التجاني رضي الله عنه مباشرة, فأذن له فسافر إليه فلما قدم إلى فاس وجد الشيخ قد لحق بالرفيق الأعلى ووجد أكابر أصحابه مجتمعين في الزاوية فمكث معهم مدة فلما أراد الرجوع طلب من السيد أبي يعزى ابن الخليفة سيدي علي حرازم(20) بعض أسرار الطريقة التي لم يأت بها الشيخ محمد الحافظ كالفاتحة بنية الاسم وكحزب البحر و الأسماء الإدريسية و ياقوتة الحقائق.

 والسيد أبو يعزى ممن خصهم الله بالإذن المطلق في أسرار الطريقة فقال له ما أتيت لأجل ذلك إنما أتيت لملاقاة الشيخ والآن لا بد أن ترجع إلى أهلك وتأتينا ثانية لأجل أخذ الأسرار الخاصة.

 فرجع سيدي مولود فال إلى أهله ثم كر راجعا إلى فاس ثانية لأجل هذه الأسرار.

والأسرار التي طلبها سيدي مولود فال هي الأسرار المركزية التي لا تدخل تحت عموم الإطلاق فلا بد من النص عليها وهي ورد الفاتحة وحزب البحر و ياقوتة الحقائق و الصلاة الغيبية.

ومكث سيدي مولود فال ما مكث في هذين السفرين كما تعلمون وقد ذكر الجد باب بن أحمد بيبه(21) هذين السفرين في أرجوزته التي يرثيه بها عندما قال:

سافر مرتين نحو فاس


إلى الولي الطيب الأنفاس


إمام الأولياء بالإطلاق

وابن رسول الله باتفاق

فجاء بالعلوم والأسرار

من صحبه الأئمة الكبار

أما أنا، أيتها الوالدة، فلا يرضيني إلا أن أكون ابنا لهذين الشيخين الجليلين، ومن أراد أن يصحح انتسابه إليهما فلا بد له أن يجتهد ويقوم على ساق الجد نهاره وليله ليحصل على ما حصلا من العلم الظاهر والباطن و إن لم يحصله فلا أقل من أن يحصل البعض منه فشيء خير من لا شيء.

فهذان الشيخان ما وجدا ما وجداه إلا بالجد والاجتهاد، وقد قالوا: إن من طلب العلا سهر الليالي..، وليس المشمر للعلا كالقاعد.

وقال الشيخ بدي بن سيدين:

عار عليك إذا انتسبت إليهم


تأتي بأمر في انتسابك قادح


ومعلوم أن الابن إذا لم يسلك طريق آبائه بالكد في نيل العلم الظاهر والباطن فذلك قادح في انتسابه ويؤول أمره إلى الجهل والعياذ بالله والجهل كسب غير محمود وسوء الاكتساب يمنع الانتساب وإن لم يستطع إلا بمجرد التشبه بهم فليتشبه بهم كما قيل:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم


إن التشبه بالكرام فلاح(22)

والأبلق خير من الأسود كله؛ وانظري،يا أماه، ولينظرغيرك في قصر المدة التي مكثناها مع الشيخ من الزمن مع أننا قد بلغنا فيه مبلغ الرجال والحمد لله رب العالمين،"وأما بنعمة ربك فحدث".. وليس هذا من باب تزكية النفس إنما هو من باب التحدث بالنعم شكرا لله وطلبا للزيادة، كما قال تعالى "لئن شكرتم لأزيدنكم".



وصفه لحالة الرفقاء



أما من معي من تلامذة العلويين وغيرهم فهم سالمون ولله الحمد والشكر وقد فتح الله عليهم جميعا وسلكوا طريق الحقائق وبعدها طريق الأسماء أحسن سلوك بارك الله وصاروا يترقون في المعارف في كل لحظة وكل ساعة مع أنهم يتفاوتون بتفاوت مشاهدهم وأدناهم مشهدا لا يلحق به مشاهد أكابر التيجانيين سواهم وما شهدنا إلا بما علمنا.

وقد أدرك من معنا هنا  أنهم فازوا في هذا العام فوزا عظيما وهو كونهم مذ أتوا لهذا الشيخ لم تضع طرفة عين من عمر واحد منهم لأنهم مذ أتوه ليس لهم حركة ولا سكون ولا قول ولا فعل إلا في الله فبه يقومون وفيه يجلسون وفيه ينامون وفيه يصلون وفيه يصومون وفيه يحجون وفيه يزكون وفيه يأكلون وفيه يشربون ومن لم تكن هذا حاله فقد ضاع عمره والعياذ بالله من ضيعة العمر ومن ضاع عمره فليبك كما قال الشاعر:

على نفسه فليبك من ضاع عمره


                    وليس له منه نصيب ولا سهم

وليس لنا أن نقول فيما مضى من أعمارنا قبل ملاقاة هذا الشيخ إلا"إنا لله وإنا إليه راجعون".

 وقد فاز من معنا هنا من التلامذة بشيء آخر لا يوجد أعظم منه فقد عرفوا الله وأخرجهم الشيخ من رعونات أنفسهم وهواها وصاروا في أحسن حال فحركاتهم وسكناتهم وحياتهم وموتهم كلها في الله ومن الله وإلى الله كما قدمت وهذا أمر اكتسبوه من معرفتهم لأنفسهم فمن عرف نفسه عرف ربه.

كلام على المعرفة



لا شك أنكم تدركون أن المعرفة هي مطلب الرجال وثمرة السلوك وهناك فرق كبير بين عبادة العارف وغير العارف.

ولو سلمنا أن العبادة تقع من كل شخص فليس المطلوب صورة الأفعال إنما المطلوب الإخلاص.

ومن عمل دون إخلاص الوجهة لله تبارك وتعالى فقد أساء الأدب لأنه يكون كمن أهدى جارية ميتة لملك.

ومن الإخلاص عام ومنه الخاص ومنه إخلاص خاصة الخاصة الذي هو المرتبة العليا المشار لها بقوله تعالى "ألا لله الدين الخالص"،وقوله تعالى "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين".

وقد أوصل الشيخ إلى هذا المقام الذي لا ينال إلا بالخصوصية والتخصيص من الله تعالى، ما لا يحصى من الرجال والنساء ومن ضمن من حظوا بهذه الخصوصية الجماعة التي تحدثت في خبرها.

هذا ومن حصل على الإخلاص بينه وبين ربه فقد أحبه الرب ووجهه لما يرضيه وذلك هو الخير العميم والفضل الجسيم الذي لا انقطاع له.

وإذا حصل وأن رجع بعض من وصل إلى أمور الدنيا فسيكون ذلك الرجوع خفيفا والخفيف وهو من باب الأدب والتمشي مع الحكمة، قال تعالى "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب".

القيل والقال في خبر الشيخ والرد على ذلك



لقد كثر في هذه المدة التي قضيناها مع الشيخ التقول في خبره وليس ذلك إلا لجهل المتقولين بما نحن فيه وبما رأينا من الشيخ ولو أنصفوا لسلموا لنا ما رأيناه.

قال الشاعر:

وإذا لم تر الهلال فسلم


لأناس رأوه بالأبصار(23)



 وأنا أعلم يقينا أن المتقولين لو رأوا عشر العشر مما رأيناه من الشيخ لأنصفونا ولاجتمعوا عليه رجالا ونساء كبارا وصغارا ولكن من جهل شيئا عاداه ولأجل ذلك صاروا معذورين إذا سفهونا أو لامونا لأنهم ما هاموا بما همنا به.

يقول السيد محمدو بن محمدي(24) في هذا المعنى من قصيدة له:

فيمن أهيم بها لاموا ولو هاموا

بمن أهيم بها يوما لما لاموا




ويقول السيد محمد بن الطلبة اليعقوبي(25) أيضا:

ليت المعنف بالهوى ذاق الهوى


كي لا يلام على هواه متيم




الكلام على الشيخ



وقد اقتصرت فيما ذكرته في السابق على خبر التلامذة وأما خبر شيخهم فلو كان ما في الدنيا من الأشجار أقلام وما فيها من البحار مداد وكتب بها من أول تجل إلى وقتنا هذا أو إلى آخر الدنيا لما استوفى كل ذلك معشار عشر العشر من خبره؛ قال تعالى "ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله". وقال تعالى "ويخلق ما لا تعلمون"، وقال جل من قائل" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا".

 وكيف لا يكون الشيخ إبراهيم كذلك وأدنى مراتبه أن يكون قطب الاقطاب والغوث الجامع.

وكوننا نقول إن الشيخ قطب فذلك تعبير يفرضه الأدب وتدعو إليه الحكمة.

أليس الشيخ هو القائل:



لكنني اتخذته وكيلا


تأدباً فاختارني خليلا




ولنتدبر ما قاله شيخنا خاتم الأولياء أحمد بن محمد التجاني رضي الله عنه عن القطب كما في الجواهر: " القطب في كل عصر له وجهة إلى كل ذرة من الموجودات يمدها ويقومها ذرة ذرة فمن هنا فما من ساجد سجد لله تعالى في الوجود أو راكع ركع لله تعالى أو قائم قام لله تعالى أو ذاكر ذكر الله تعالى إلا والقطب في ذلك هو المقيم به فبه سبح المسبح وبه عبد العابد وبه سجد الساجد وبه وقعت الوجهة الأخرى التي لا تذكر.

وحاصل الأمر فيه أنه للوجود كله بمنزلة الروح من الجسد فكما أن الجسد لا قيام له ولا تعقل له إلا بالروح ولا حركة له إلا بالروح وجميع خواص الجسم الظاهرة والباطنة من حيث ما هي قائمة كلها بالروح بحيث إذا انعدمت الروح انعدمت جميع خواص الجسم وصار ميتا معدوما كذلك جميع أجساد الوجود في نسبتها إلى القطب هو لها كالروح للجسد فلو زالت روحانيته منها لانعدم الوجود كله فهو روح الوجود وكل خواص الوجود بأسرها على التئامها وافتراقها وعمومها وخصوصها وإطلاقها وتقييدها كلها لا تلازم ذوات الوجود إلا بوجود روحانية القطب فيها فإذا زالت روحانية القطب عنه انعدم الوجود كله وصار ميتا لا خاصة به وهذه القوة له من تحمله السر الأعظم وسريانه في كلية عوالمه وبسر الإسم الأعظم صار بين يدي الله تعالى قائما مستكملا آداب الحضرة الإلهية ومستكملا أداء حقوقه سبحانه وتعالى في جميع تجلياته الأسمائية والصفاتية والذاتية في كل مقدار طرفة عين ولا نهاية لما يتجلى به ربنا سبحانه وتعالى في كل مقدار طرفة عين من استمرار الزمان من أسمائه وصفاته وذاته وتقلب شؤونه والقطب في ذلك بين يدي الله تعالى يعطي جميع تلك التجليات ما تستحقه من الآداب والوظائف والخدمة في كل مقدار طرفة عين وإن كثرت التجليات إلى غير نهاية فهو يوفيها جميع حقوقها وآدابها فليس في الوجود من يقدر على تحمل جميع ما يتجلى به الحق سبحانه وتعالى في الجميع غيره.

ولو أن جميع الصديقين وقفوا مع الله في هذا الموقف لانعدموا في أسرع من طرفة عين، يقول الحق سبحانه وتعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

 وليس في خلق الله عز وجل كله عموما أو إطلاقا من بعد الأنبياء من البشر والملائكة من يتأتى منه أن يصل إلى مقدار جزء من ألف جزء من تقوى قطب الاقطاب ولو بلغ ما بلغ فهو أفضل جماعة المسلمين في كل عصر".. انتهى كلام شيخنا التجاني رضي الله عنه.

 ومن كلام الحاتمي رضي الله عنه: "فهو (أي القطب) البحر الخضم الزاخر الذي ليس له أول ولا آخر من نظر بعين قلبه إلى بحر فيضه الجلي وجريان مدده العلي وشاهد تلقي سائر الكائنات عنه بالوسائط أو بدونها اندهش قلبه وطاش لبه فإن القطب له ستة عشر عالما الدنيا والآخرة واحد منها وهو يمدها جميعا ومن فيها".

فمن عرف هذا عرف صدق ما قلته من أنه لو كانت أشجار الدنيا لنا أقلاما وبحارها مدادا وكتبنا بها من أول تجل إلى آخر تجل لما استوفينا بعشر العشر من خبر الشيخ.

وهذا ما أقدر أن أقوله والذي لا يقال لا يقال ولو قلته لقطع مني هذا البلعوم إلا أنني أتمثل هنا بما قاله الشيخ محمد فال بن باب العلوي(26):









وثمة آخر مكنون بلجته

من أحسن الغوص في تياره ظفرا




لقد مضت تسع وثلاثون سنة اليوم من ابتداء بيعتنا لهذا الشيخ إلى الآن ونحن نتردد عليه مرتين في العام وربما يكون أكثر من ذلك وما جئنا لحضرته مجيئا بعد مجيئ إلا وازددنا علما ظاهرا أو باطنا وتمكنت قلوبنا أكثر فأكثر من المراقبة فناء وبقاء في ذات الله تعالى وترقيا في حضراته وإلى الآن ونحن ما تحصلنا على عشر العشر من علمه ولا قريبا من ذلك وأنا أعلم علم يقين أنه لو فقدت جميع الدواوين وانمحت لأقامها بأمر الله من غير فقدان شيء منها كما قال الشيخ بدي حسان الطريق  يمدح شيخه الشيخ محمد الحافظ:

فلو فقدت كل الدواوين وانمحت


                                   لكان بأمر الله أكمل قائم



وهو أول من حد حدا جامعا مانعا للمعرفة فقال:



 "المعرفة رسوخ الروح وتمكينها في حضرة المشاهدة مع الفناء التام والبقاء بالله فالعارف عند الصوفية من يرى الغير العين أي شهود الحق في الغير, والعارف عندي من فني في الذات مرة وفني في الصفة مرتين أو ثلاثا وفني في الاسم مرة وأثبت الوجود بالحقائق الثلاث وأثبت الأسماء بالاسم وهذا مقام دونه خرط القتاد وتفتت الأكباد ولا ينال ببذل الأموال والأولاد"(27).

 


 وهذا الحد عجيب ولو أنه قد بسط لما وسعه مجلد؛ وقد مكن هذا الشيخ ما لا يعلم عدده إلا الله من الاتصاف بهذا الحد في المعرفة؛ و قد شاهدنا في هذه الفيضة صدق ما أخبر به الشيخ التجاني رضي الله عنه في رسالة الفضل والامتنان عند قوله:



 "أن مما ضمنه له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقى مدده في مريديه إلى قيام الساعة وأن تكون طريقته في بني آدم أزيد من عشرة آلاف طريق كل طريق لتلميذ من تلامذته وكل طريق تتفرع على طرق كثيرة من المعرفة ثم تتفرع كل طريق أيضا على طرق إلى قيام الساعة وأن تكون في الجنة أزيد من عشرين ألف طريق تتفرع بفروع كثيرة إلى قيام الساعة لا تنقطع أبدا حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وخاصية الورد باقية إلى قيام الساعة ما دام يتلى ويذكر".اهـ



 ولنصرف عنان القلم عن الزيادة على هذا القدر لأني إذا زدت عليه خرجت عن حد الرسالة إلى التأليف.



خاتمة نسأل الله حسنها



وأختم الرسالة بنصوص أجعلها ترصيعا لها وتتميما للفائدة.

 وتشمل هذه النصوص واقعة وقعت للشيخ وكلام عجيب عن السلوك في الجذب أورده نفعنا الله به في السر الأكبر ونصائح من نصائحه الفريدة بعضها نثر وبعضها نظم.



وأبدأ بذكره للحقيقة الرابعة في السر الأكبر وبما قيل بلسان تلك الحضرة من الشعر ثم بالواقعة ثم بقصيدة للشيخ فيها بعض إشارات توافق ما في الواقعة ثم برسالة أرسلها معي أوان رجوعي إلى الأهل بعد فراغي من أوراد التربية يجيب فيها عن مسائل كانوا يخوضون فيها في ذلك الزمن ومن تلك المسائل كيفية تلقين الورد وسنده في الطريقة ثم أتبعها برسالتين في خبر القبض وذلك أن الشيخ لما حرر هذه السنة من الأصول ولم يجد لها معارضا ولا مخالفا ولم يجد لغيرها أصلا ولا فرعا وألف فيها كتابه الشهير "رفع الملام عمن رفع وقبض اقتداء بسيد الأنام" وعمل بها مع سنة الرفع عام 1365هـ واتبعناه فيها لاقانا أهلنا بالإنكار حتى وقع بيننا خوض كبير وسمع الشيخ بذلك فأرسل لنا النصيحة الأولى فأطفأت بعض ذلك فلما مكثنا مدة تفجر الأمر بأشنع من ذلك وذلك في عام 1369هـ فأرسل الشيخ لنا النصيحة الثانية ثم بعد هاتين النصيحتين سأورد رسالة وقصيدة أرسلهما إلي وأنا في ذلك الوقت في مدينة كنو بنايجريا بعد أن بلغه تحرك للمنكرين وقع في ذلك الوقت في تلك البلاد وقبل الرسالة والقصيدة رسالة أرسلها إلي الشيخ وأوردتها لأنها تضمنت بعض البشائر ثم التقاريظ في آخر الرسالة وفي مقدمتها التقريظ الفريد الذي أمر به الشيخ وحرره سيدي علي سيس قلم الفيضة.





النص الأول:



 إشارات في الحقيقة



كان الشيخ في تأليفه النادر المسمى بالسر الأكبر والنور الأبهر يتكلم في الحقائق بالإشارات الربانية، إلى أن قال:



".. ثم يشاهد تنزل حضرة الأحمدية في الحقيقة الرابعة وهي حضرة آدم أي آدم الأرواح عين أحمد ونفس أحمد وهذه الحضرة هي التي أشار إليها الشيخ رضي الله بقوله  "لا ينال مني أحد شيئا إلا بواسطة سيدي على حرازم"، وقوله "ما خلفت سواه"، وقوله "هو مني بمنزلة أبي بكر من رسول الله"، ولا غرو أن يخلف هذا الرجل غيره فافهم؛ فحقيقة هذه الحضرة أنها ظل الشيخ ومظهره في كل زمان ومكان والموجودات بأسرها منطوية في رجل تلك الحضرة.

وليس على الله بمستنكر


أن يجمع العالم في واحد(28)

وهو الرجل الذي ظهر لا يعرف في الدنيا ولا في الآخرة أي لا تعرف حقيقته وهو عبد الله والإنسان الكامل وحامل الأمانة وقد رمزت إلى معاني الحقائق بقولي "فاعتبروا يأولي الأبصار" الحمد لله دستور معناه أن الاسم للذات واللام زائدة والعبد لله كذلك فهو للذات أيضا واللام زائدة فلذا يجعل الصديق العبودة سيادة ساذجة إذ هي عين العمى وأكبريتها الإسلام الخاص عند الله وعند الخلق "إن الدين عندالله الإسلام"، ومن الإسلام عام وخاص وخاص خاص فعامه لم تخل ذرة من الاتصاف به وهو الجريان على مراد الحق وخاصه القيام بمقتضى الخطاب التكليفي في عالم الناسوت وخاص خاصه هو عين الصديقية فترقى أول مراتب العبودة إلى السيادة المطلقة وتدلى أيضا إلى الصديقية وتدلي إلى العبودية فصارت للذات مرتبة أو مراتب فتبطن في المرتبة فقيل الحمد لله والعبد لله فالطرفان أضيفا للاسم الله والأوسطان بقيا على ما هما عليه،ولم يبق إلا العبد ما شوهد في الحقيقة سواه وما شاهد سواه فهو منتهى الخواطر ومجمع الشؤون والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ومن فهم ما رمزنا علم يقينا أن الألف هو الباء والحاء هو العين وما يعقلها إلاالعالمون، وهذا لا يخرج إلا من مدد جسدنا ولا يفهمه إلا جسد مددنا والسلام.

وقلت بلسان تلك الحضرة:

سكرت بخمر إن هممت بشربه

سكرت التذاذا منك في فرط طيبه

بل السكر قبل الكون والكرم لم تكن

وما ثم غير الخمر ويك بشربه

ومت غراما في المدامة فاعجبوا

ببرهام عبد الله من فرط حبه

وجدت حبيبي بعد موتي بحبه

هو العاشق المحبوب من فرط قربه

فأرسلت نفسي واعظا وهي لم تعظ

سواي مجيبا للرسول وحزبه

وقد صرت إنسان العيون وعينه

وقد صرت أمدادا لعجم وعربه

بفيض فيض البحر والبر جملة

وإني نفس للأمين وصحبه

ولايتي العظمى تحققت أنني

إلى ومني ما يفاض لشربه

أنا النفس والأفاق مهما رأيتها

تراني فإني الكل من عند ربه(29)











النص الثاني: الواقعة



واقعة وقعت للعبد الذليل كاتبه عام 1350هجرية محمدية عليها الصلاة والسلام،

وهي أني مكثت مائة ألف سنة من أيام الرب وأنا أسمع الكلام الأزلي الأصفى مواجهة فتحيرت واضطربت لما اجتمع عندي من اللذة والألم فإذا أنا اندفعت إلى حضرة أشاهد فيها حقيقة حقيقة حقيقة الحقيقة ذاتا بحتا وطمسا في عمى ولم يبقى شعور بمسوس فمكثت في هذا مائتي ألف سنة فإذا أنا بشيء أي وجود متميز عني كالظلال وكالدخان فغلبت ذلك الوجود فإذا أنا برسول من الذات عبد الذات وسرها وهو يقرب مني ويدنو مني حتى غبت فيه فصار عيني فصرت أطرب لأني حبيب الذات وسرها وعبدها ومرادها ومرتبتها الجامعة المتجلى لها بكمال الذات ومكثت في طربي ألف ألف سنة فجلت في الغيب لم أجد للذات عبدا سواي وجلت في غيب الغيب فشاهدت جلالا في جمال فإذا بحضرة غيب الغيب تدعوني وتسميني يا أحمد التجاني فتيقنت أن لا مراد للحق بعد السر إلا أنا وصاحبت عبد الذات ونصرته ووازرته ألفي ألف سنة فجعلني أبا البشر ومدد جميع الكائنات وسر الموجودات وآدم الأرواح والأشباح فحملت الأمانة ونوديت يا داوود إناجعلناك خليفة في الأرض، فنظرت إلى الأرض فرأيتها على حالها وإذا بالعوالم الحسية والمعنوية والملأ الأعلى والأسفل والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع إلها آخر إني لكم منه نذير مبين،فرجعت إلى حسي وإذا مدة الواقعة كما بين الشفع والوتر فسبحان الله العظيم يخص من شاء بما شاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.





















النص الثالث: قصيدة الوصول



أورد هنا قصيدة للشيخ لأنها مناسبة للواقعة الآنفة الذكر وفيها بعض المناسبة لما نحن فيه وهو إشارة الشيخ لمقامه،ومعلوم أن من تدبر الواقعة والقصيدة من العارفين الواصلين يجد فيها ما يوافق ذوقه ومقامه "قد علم كل أناس مشربهم".

 ونص القصيدة:



                                   وصول جميع الماسكين بحبليا

            تحققه من لم يكذب برَبيا

                               وجوبي فَيَاف في المعارف ولم ترم

   فقد قصر الأقطاب عن درك شأويا

بفضل إله الناس جل جلاله

                           وحب رسول الله طه نبيئيا

حلفت يمينا أنني لا يحبني

                 سوى أسعد والعكس في حال بغضيا

وقد علم الأقوام أني خديمه

فوصل حبيب الله يلفى بوصليا

وما قلت قولي شاطحا متبجحا

وما مسني سكر يغيب عقليا

فإن خطوطي للأنام سعادة

فلم يشق يوما من رآني وخطيا

وما قلت هذا دون إذن وإنني

لأكتم سرا لا يباح لغيريا

وذا كله من حب سيد مرسل

عليه سلام الله ولتعل شأنيا

تنورته حتى تحيرت أنما

جلال رسول الله حير فكريا

إفاضته منه إليه محبة

وسبحان رب دك روحي تجليا

ومن سر هذا مت شوقا ومغرما

أزيد اشتياقا حين زدت تدليا

فمن لي بوصل للحبيب وليتني

أجاوره في حالتيه تمنيا

عليه صلاة الله ثم سلامه

تساوي صلاة الذاكرين قبيليا

عليه مع الآل الكرام وصحبه

ومن سلكوا نهج المحبة قبليا



ولولا صون السر الواجب لتتبعنا إشارات الشيخ إلى مقامه وإشارات أكابر أصحابه إلى هذه المرتبة لكننا نمسك عنان القلم ونحن نقول:



وثم وراء العقل ما لو ذكرته

يريق دمائي من إخال مواليا






















النص الرابع:



 رسالة للشيخين محمد بن الطلبة ومحمد بن آبه



أبدأ برسالة أرسلها الشيخ معي للسيدين محمد بن الطلبة ومحمد بن آب في رجوعي إلى الأهل بعد فراغي من أوراد التربية عام 1352هـ،وهذا نصها:



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين

 الرحمن الرحيم ملك يوم الدين

أمابعد..،

 أحمده سبحانه بهذه الحضرات بما احتوى عليه في سائرها من الكمالات فحضرة والله أخوي في الله وفي الرسول وفي الشيخ شيخي وحبيبي السيدين الأمجدين والنيرين الأسعدين سيدي محمد بن السيد أحمد بن الشيخ محمد الحافظ وسيدي محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمدي رضوان الله تعالى عن الجميع وعنا بهم آمين.

أسامي لم تزده معرفة


وإنما لـذّةٌ ذكرناهـا



سلام عليكم حالة القرب والبعد

سلام به تزداد رابطة الود

سلام به تحيي النفوس وينجلى

به كل كرب مع سلام بلا حد


سلام امرئ لم تبق منه بقية

سوى نظر العينين أو حرقة القلب



السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

 عن مدد مولانا الختم التجاني رضي الله عنه،

 موجبه وإن كان لا ينحصر لكن على بعض بعضه أقتصر الإعلام بوصول كتبكم التي استفدنا من جميعها سلامتكم وسلامة من معكم من ساداتنا ومن معهم من إخواننا وأحبائنا ونحن ولله تعالى الحمد والمنة في عافية غير عافية ونعم من الله مولانا صافية وما طرأ هنا إلا الخير التام ظاهرا وباطنا ولله الحمد وله الشكر،وقد أرسلت إليكم بحول الله وقوته ساداتي وإخواني الشيخان والهادي ومحمذ فال وأحمد بن معاوية وأطلب من جميعكم وأتوجه لكم بالشيخ رضي الله عنه أن تسامحوني في تأخر رجوعهم وإن كان عليهم شيء من المعاتبة فهم بريئون منها إنما هي علي لا على غيري وأنا أطلب السماح منكم بفضلكم وجودكم وكرمكم فالله يجازينا ويجازيكم  عنا خيرا و يتولانا و يتولاكم فهو يتولى الصالحين.

وأما السؤال عن كيفية تلقين ورد الختم التجاني رضي الله عنه فقد كان والدي رضي الله عنه يقرأ ثلاث مرات من صلاة الفاتح لما أغلق، ويهدي ثوابها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل ذلك استجلاب لحضور حضرة الشيخ رضي الله عنه وبحضور الشيخ ينطمس الملقن فيه انطماسا كليا حقيقيا فيلقن الشيخ رضي الله عنه بلا واسطة فيقوم المريد مريدا للشيخ لا للملقن سواء كان في سالم أو في غيرها من البلاد البعيدة عن الشيخ رضي الله عنه حسب الظاهر، وإن لقن من له الإذن في التلقين بالسند المتصل بالشيخ رضي الله عنه من غير هذه الكيفية فالملقن أيضا هو الشيخ رضي الله عنه لكن من وراء حجاب السند والمريد التجاني حر في نفسه له أن ينزل من لقنه منزلة الشيخ حتى يجده إياه وما ذلك على الله بعزيز، وله أن ينزل غيره إذا لم يظفر بطلبه حيث أن الملقنين ليسوا سواء في القوة وقوتهم بحسب استغراقهم في الشيخ رضي الله عنه حالة التلقين وقبله وبعده إذ المربي في الطريقة الشيخ رضي الله عنه لا الخليفة سيدي علي حرازم رضي الله عنه ولا غيره كما أفصح بذلك الشيخ رضي الله عنه لما وقع التنافس بين من أخذ عن سيدي الحاج علي حرازم وبين من أخذ عن سيدي محمد المشري بقوله رضي الله عنه "من يعرفني يعرفني وحدي" أي أن الطريقة له لا لغيره وهو الشيخ فيها لا غيره وهنا مزلة قدم لنا معاشر الملقنين إلا من عصمه الله تعالى.

 وأما السؤال عن سندنا فإني ولله الحمد تحصل عندي من الأسانيد ما لو اجتمعت لكانت تأليفا وحدها وجل اعتمادي على السند الحافظي فهو العالي الغالي عندي وإن كانت كلها عالية غالية وأتصل به بواسطة سيدي ومولاي حامل راية التربية والمعارف الحقانية سيدي ومولاي الحاج عبد الله بن الحاج رضي الله عنه ولا شك ولا ريب ولا وهم وأتصل به أيضا من طريق العلم الأشهر والشيخ الأغر والكبريت الأحمر والبدر المنير الأزهر الشيخ محمد سعيد متعنا الله بطول بقائه آمين وكلاهما أطلق لي وأنا أتيقن أن عنده الإذن المطلق.

 واعلم سيدي أني ولله الحمد نشأت في الطريقة كدت أن لا أعرف إلا هي فقد كاد أن لا تؤلف ورقة فيها إلا وجلبها والدي ووقفت عليها والعلم طالعت كثيرا من كلام أجلاء الفقهاء المحققين المحقين ووقفت أيضا على كلام جلامدة الفقهاء فما يقول جلامدة الفقهاء في شيخنا التجاني وما يقول بعض العمي المنتسبين للطريقة ولا حظ لهم في باطنها في السند الحافظي صاحب السر الحقاني وفي خلفائه إلى هلم جرا وفي سيدي الحاج عبد الله خصوصا كلام لا يقبله من له أدنى ذوق في العلم الحقيقي وفي فهم سر الطريقة، فنحن التجانيين على بصيرة من أمر طريقتنا ظاهرا وباطنا لأنا أرانا الحق حقا فنسأله أن يرزقنا كمال اتباعه وأرانا الباطل باطلا فنسأله كمال اجتنابه وقد اشتغلت بتأليف في طريقتنا الحقيقية عساه يكون مفيدا لأهل الذوق، وسلما مني على الشيخين الخليفتين الشيخ محمد سعيد والسيد محمد الأمين وعلى كل من هو منهما وإليهما،

سلام محب حافظ لوداده


وإن ظنه من ليس يدري مقصرا

 والسلام

وكتب ابراهيم بن الحاج عبد الله التجاني

بكوس لثلاث عشرة بقت من ربيع الثاني عام 1352هـ























النص الخامس:



الرسالة الأولى  في خبر القبض والرفع



الحمد لله هدى من وفقه بفضله وأضل من خذله بعدله، فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن  اتقى، وربك أعلم بالمهتدين، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا،قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها؛ والصلاة والسلام على من أنزل في حقه "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني"، "ومن يطع الرسول فقد أطاع الله"، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.



 أما بعد،

 فإلى كافة إخواني في الله وأحبائي حيثما قطنوا،

 سلام سليم لا لغو فيه ولا تأثيم،

 يليه بعد تفقد أحوالكم أجراها الله على وفق المراد "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل من بعده وهو العزيز الحكم".

أصلح الله حالنا وحالكم ومآلنا ومآلكم؛إعلامكم بأن رفع اليدين في المواطن الأربعة ووضع اليمنى على اليسرى ثبتا ثبوتا لا مرد له عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وهلم جرا فلا ترى من ينازع فيهما إلا في هذا القطر الإفريقي،فلا يحتاج إلى مراء ولا جدال فلا تماروا أحدا فنحن نرفع ونقبض اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"؛ ولا نقصد فعل مكروه ولا مخالفة أحد لا من الأحياء ولا من الأموات وأمر هذا الدين واضح وضوحا لا يحتاج معه إلى مراء ولا جدال فالنبي المكلف بتبيين ما أنزل إلينا صلى الله عليه وسلم لم يخرج من الدنيا إلا وأكمل وأتم تبيين ما أنزل إليه والعلماء بعده ورثة الأنبياء ما قصروا جازاهم الله عنا خيرا، فمن رفع وقبض فقد جعلهما رغبة في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يثبت عنه غيرهما البتة ومن تركهما فهو على حجته، فالذي أوصيكم به هو ترك المراء والجدال، ففي محكم التنزيل ولاتجادلوا واصبروا فهذا زمانه ومكانه وارفقوا وتواضعوا مع خلق الله وتأدبوا معهم وبالأخص الكبراء وتوددوا فالعاقل لا يعادى، قال تعالى "خذ العفو وآمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، وقال " ادفع بالتي هي أحسن"، ولا تأخذكم في الله لومة لائم؛ "ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير"، وإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، "وإنما توفون أجوركم يوم القيامة من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".

 وفقنا الله لما يحب ويرضى وداوى بمنه قلوبنا المرضى.

 والسلام

أخوكم ومحبكم إبراهيم بن الحاج

عبدالله التجاني لطف الله به آمين













































النص السادس:



الرسالة الثانية في خبر القبض



الحمد لله رب العامين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين الذي يخلق ما يشاء ويختار والخير كله فيما اختار نحمده سبحانه في حالة تضرع وعجز وذل وانكسار ونستغفره من كل ترفع وتصنع وعجب واستكبار ومن تقصير وشهوة وذنب وإصرار كما نستغفره جل جلاله من ذلك الاستغفار ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن كل الشرور والأشرار ومن السلب وسوء القضاء وشماتة الأعداء والغلبة والانتصار والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين السيد العبد المختار وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار التابعين الأولين من المهاجرين والأنصار من أقاموا الدين الأحمدي ونشروه ونصروه في سائر الأنحاء والأقطار ومن تبعهم بإحسان في سائر الأعصار.

أما بعد،

 فإلى كافة أحبائنا الذين سكنوا العقل وغيرهم حيثما كانوا،

سلام كعرف الروض أخضله الندى


كما طاب بعد الهجر للعاشق الوصل

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

 وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وداوى قلوبنا المرضى،

 يليه الإعلام بأني متأسف غاية لما يبلغنا دائما من سوء التفاهم بينكم وبين بعض إخوانكم وجيرانكم وعشيرتكم ووقوع البعض في خواطر البعض ولا يزال عجبي من كثرة مبالاة بعضكم لما يصدر من البعض قولا وفعلا وشدة مؤاخذة الناس بما يجري منهم وقد علمتم أن الفاعل حقيقة هو الله تعالى ولا ينبغي الشكوى منه والاعتراض عليه بل فروا منه إليه فإنه لا ملجأ ولا منجاة من الله إلا إليه ومؤاخذة العامة بما يجري منهم صورة إما ظلم أو كفر ليخفف ألم البلاء علمك بالمبتلى فأفردوا الوجهة إليه واقطعوا النظرعما سواه وارضوا بقضائه تستكملوا الراحة في الدارين والناس عند التحقيق مدحهم وقدحهم سواء فالله أعلم بحال عبده وكفى بالله شهيدا؛ وأما رد سنة النبي صلى الله عليه وسلم والطعن فيها فأمر لا يشتغل فيه متدين عاقل ولو كان صبيا فلا لوم على من سكت عن الفاعل وطوى الخوض معه فيه ردا وقبولا واحتجاجا، كما قال تعالى:" وإذا رايت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره"، فإذا هجا بعضنا بعضا وهو يجد مجالا واسعا لكثرة مساويء من هجا وأراد الانتصار ولم يجد إلا الكذب فلا رأي إلا السكوت والتسليم، والناس كما تعلمون فيهم أقوياء علماء شعراء أهل ديانة وعبادة واستقامة وسلامة من العيوب ونحن بعكس هذه الأوصاف أوجلنا فلم يبق إلا الصبر "ولئن صبرتم لهو خير للصابرين"، "واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون"، "،إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"، "إن الله مع الصابرين"، "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، لا نهاية لمذامك إن أرجعك إليك ولا تفرغ مدائحك إن أظهر جوده عليك، فالضار النافع الخافض الرافع المعطي المانع هو الله تعالى والإنس به والأنس بالمخلوق لا يكادان أن يجتمعا فهبوا ما سواه كأن لم يكن، يصف لكم الوقت ويحصل لكم الأنس به "ولا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى".

أجرى الأذى منهم ليلا تركنا


                        إليهم  بل  للإله  فاركنا

ولنقل بلسان الحال والمقال "حسبنا الله ونعم الوكيل".

 ولا يتقرب إلي محب بالانتصار لي من أحد في قول أو عمل فأنا حصل لي العلم يقينا أن لا يضرني مخلوق ولا ينفعني فرجائي معلق على من ليس للأنبياء والأولياء إلا سؤاله، فاسالوا الله الإيمان والتقوى واتقوا الله لعلكم ترحمون ووقروا كل كبير وارحموا كل صغير فإن الراحمين يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله فيه، ولذا قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أصبحت مالي سرور إلا مواقع القدر، فلنرجع يا أخواني، إلى الله بالتوبة والاستغفار فلعل الله إن سلط علينا أحدا فبقصورنا وذنوبنا والله المستعان، اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يشكف إلا بالتوبة فهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، وما نطلب أمامنا إنما تطلبون أمامكم والعمر قصير والزاد يسير والأمر خطير والعيب كثير والناقد بصير؛ وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.

 ومن وصايا بعضهم وتستحق الكتب بذوب الذهب قال وهو في الموت "أوصيكم بتقوى الله في السر والعلانية وبقلة الطعام وقلة المنام وقلة الكلام وهجر المعاصي والآثام وترك الشهوات على الدوام واحتمال الجفاء من جميع الأنام وترك مجالسة السفهاء والعوام ودوام مصاحبة الصالحين الكرام فإن خير الناس من ينفع الناس وخير الكلام ما قل ودل.

 وقال بعضهم "واعلم أن النافع هو التقوى والسبب المنجي هو الإيمان والعمل الصالح دون الحسب والنسب فلا يغرنكم الشيطان بكثرة أموالكم وأولادكم ووفرة مفاخر آبائكم وأجدادكم فأصل البول الماء الطيب الصافي،والله تعالى يخرج الميت من الحي واستحضروا جلال مولاكم وراقبوه مع أنفاسكم يضمحل عندكم كل جليل وحقير واجعلوا المصطفى الذي هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامكم وإمامكم فإن الله ما أرسل إلينا رسولا غيره صلى الله عليه وسلم ووعد المتمسك بسنته عند فساد الأمة ما لا يخفى عليكم؛ وما قال العلماء الأجلاء الأتقياء إن كان من السنة فما قاله هو فمن باب أولى، والسنة مطلب الجميع إذ غيره ليس له من الأمر شيء والحق يقال فإن كنا محقين لا يعيب أحد منا على الآخر:

وهل ترك الإنسان في الدين قولة

إذا قال قلدت الإمام محمدا

ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى

ولكنها الأهواء عمت فأعمت

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 ابراهيم بن الحاج عبد الله التجاني

 سلخ شهر رمضان الأبرك عام 1369هـ

بمدينة كولخ لطف الله به آمين.















النص السابع :



الرسالة المبشرة



وقد عن لي أن أورد هنا هذه الرسالة لأن فيها بشائر أحمد الله عليها؛ ففي اليوم الثامن من رمضان الأبرك سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف كتب لي الشيخ ما نصه:



 "حضرة الولد الحبيب والسيد الكامل الأديب الأريب وسلالة الأولياء النجيب ذي الخلق الحسن الغريب غلام التجاني الشيخ الهادي بن سيدي مولود فال،

إذا بلغ الفطام لنا صبي


تخر له الجبابر ساجدين(30)

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

 لقد تأخر كتابنا لكم طمعا في وجود كتابكم بعنوان أصح، وقد بلغنا الابتلاء الذي وقع ونرجو أن يكون بلاء حسنا؛

ما أنت إلا أصبع دميت


وفي سبيل الله ما لقيت(31)

جبر الله أحوالنا، كل ما فعل الجليل فهو الجميل ونسأله العافية. من ألِف البهاء من الله لا يثبت لبُدو العظمة والجلال وأنت محفوظ ومضمون ما بقيت فطِب نفسا وامض قدما فلا ترى إلا ما يسرك وسلم على كل من لقيت من أحبابنا وأستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتم أعمالكم وبلغني سفر حبيبنا الأمير الحاج محمد السنوسي ويرجع كما ترجعون سالما.

 والسلام

ابراهيم بن الحاج عبد الله التجاني لطف الله به آمين











النص الثامن:



 رسالة التأييد



 هذه رسالة تأييد من الشيخ أرسلها إليّ مع قصيدة وأنا في كنو عام 1377هـ:



الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى

 وبعد،

 فإلى السيد الحبيب ولد الروح وشفاء الكبد المجروح المقدم الشيخ الهادي بن سيدي مولود فال حفظه الله ورعاه وبلغه في الدارين متمناه،



 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

 يليه الإعلام بأنه ما طرأ فينا إلا ما يسركم وقد بلغنا تحرك أهل البعد عن الله في تلك النواحي وهي آخر من رام إطفاء نور الله ولا بدع يما يعلوا ولا يهمكم فالله كاف عبده والله غالب على أمره وقد وردت علي تلك القصيدة التي عسى أن تقرؤوها للأحباب ويتوسلون بها ويعملون بما تضمنت من النصيحة فلو كنت في الحلقة حين ضربوا وسبوا ما تكلمنا ولا انتصرنا فالمنتصر لنا هو الله الملك الحق فلا بد للاحباب من ملازمة  الفرائض والأوراد والتحاصين والصبر الجميلولا يخافون بعد ذلك من شيء في حضر ولا سفر وسوف ترون عجبا في تصرفه في تلك القضايا بعكس مراد أعداء أولياء الله تعالى بإذن اللهولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكل ما ارسلتم قد وصل ونحن فيانتظار جوابكم ورسالاتكم.

والسلام

ابراهيم بن الحاج عبد الله التجاني











النص التاسع:



قصيدة آية التفويض



الحمد لله استغاثة وردت على حروف "وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد" ليلة الجمعة لثمان بقين من شوال 1357 هجرية في ضمنها توصية الأحباب الذين بعدوا عنا وتبشير لهم لناظمها الغوث الجامع الأشهر الملاذ المرشد المعين الأكبر مجدد القرن وسعادة الكون مولانا الشيخ الحاج ابراهيم نفعنا الله به آمين:



وليكم أولياء الله إذ مكروا

مكرا هو الله مولى الخلق فاصطبروا

إنا نلوذ به إني أحصنكم

به وبالذكر والقرآن إذ مكـــروا

فوضت أمري إلى بار البرية قهّـ

هَـار الملوك ومخزي كل من كفروا


وقد وثقنا به به اعتصمنا فما


يأتي به الغير لا نفع ولا ضرر

وتلك عروته الوثقى أحبتنا

فاستمسكوا بعرى الإيمان تنتصروا

ضر الذي رام خيرا للأحبة في

سر وجهر ولا ينحو لنا الضرر

أصاب في نحره سهم المهيمن جبـ


ـبار السماء فما يبقى وما يذر

ما سام ضيما جنابي المعتدون وآ

وي للكريم فما ذلوا وما خسروا



ربي يمزق أعدائي يبيدهم

به استجرت وطول الدهر أنتصر

يريهم كل حين عبرة وهم

في غيهم وعماهم ليتهم بصروا

أرى بأن لا سواه فاعلا أبدا

وكل شيء جرى يجري به القدر

لا لا ترى مانعا لنا عطاه ولا

معط سواه ولو جلوا ولو قدروا

استغفر الله من خوف ومن طمع

فيما سواه فحسبي من له القدر

الله الله يا قومي فلا أبدا

                    توقظ بكم فتنة بالصبر فانتصروا

لا تضربوا أبدا لا تشتموا أبدا

                     وإن ضربتم فصبرا إنكم صبر

إذا نظرتم إلى من قبلكم من تقا

ة قد عفوا وصفوا إذ غيرهم مكروا

هديتم صراط النصر فاصطبروا

فالنصر في الصبر والأعلون من غفروا

إذا منعنا مساجد الإله فما

هذا بأوله والقوم قد صبروا

نحذو كحذو الذين قبلنا فلنا

بالمصطفى أسوة والحق ينتصر

نعم قد أخرج هادينا وأسرته

وبعد صدوه حين جاء يعتمر




أجل وهل ضر ذاك دين النبي كذا

                    فلا  يشوشكم أفعال من بطروا

لله جند قوى غالب فنرى

فوق العدى أبدا بنصره فذروا

أستودع الله أحبابي يحوطهم

بحفظه حيثما كانوا بدوا وقروا

هو الحفيظ لنا وهو المبيد لهم

إن يسخروا فإلهي حسب من سخروا

به انتصرنا ونقفو سنة لأميـ

ـن الوحي نشكر ربا حيثما كفروا

صفا لنا الوقت في ذكر الإله كما

                 كان الصحابة إن غابوا وإن حضروا

يسوءهم سردكم ذكر المهيمن تقـ

ـفون الرسول الذي طابت له السير

ربي يثبتنا مدى الدهور على

ذكر الإله وحتى تلتقي الزمر

بالمصطفى المنتقى المنصور دولته

صلى الإله عليه حيثما نصروا

أجب دعاء عبيد خائف وجل

تحزبت لأذاه البدو والحضر

لا لا له حيلة أو ناصر وكفا

ه من براه إذا يخشى به خطر

علي سترك مسبول وعينك نا

ظر التي فلا أخشى إذا مكروا



بدد وشتت ومزق جمعهم وأدم

ما قد حبوت لنا بالذكر ننتصر

أجب دعائي وعجل يا كريم ويا


جبار فعال يا قهار من قهروا

دمرت أعداء خير الخلق أجمعهم

صلى الإله عليه فهو لي الوزر

حق قدره ومقداره العظيم



انتهت من خط السيد علي سيس، وفي آخرها كتب "بإذن الشيخ مرسوم إلى سيدنا العارف بالله الدال على الله الشيخ محمد الهادي بن الشيخ سيدي مولود فال رضي الله عن الجميع ونفعنا بهم آمين عام 1357هـ".



الحمد لله على ما كتب والحمد على ما دعا به لنا مما نتحقق إجابته إن شاء الله لنا ولمن هو منا وإلينا.































النص العاشر:



رسالة دعاء لتعمير الحاضرة



هذه رسالة عالية غالية عندي لما اشتملت عليه من الدعاء والبشارات والنصر والقرب والاصطفاء وتحقق المجاورة في الدنيا والآخرة،وأوردها هنا ختاما وحمدا وشكرا، والغريب في أمرها أن الشيخ أرسلها إلي عام 1393 هـ وهي مؤرخة قبل ذلك بعشر سنوات أي في عام 1383هـ ،فلله الحمد والشكر على كل ذلك .

وقد أثلجت هذه الرسالة صدري وتمناها كل من رآها من الأكابر،وهذا نصها:



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وبعد..،

فيصل كتابي إلى الحبيب الأكبر غلام التجاني الأشهر سيدي الهادي بن السيد بن سيدي مولود فال المحترم،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

يليه إعلامكم بأني أسأل الله تعالى أن يعمر حاضرتكم في الحس والمعنى ويلطف بسائر سكانها ويرزقهم ويحفظهم ويأخذ بأيديهم ويوصلهم إلى مرادهم دنيا وأخرى، وإني كما علمتم اتخذتها محلي فمن حل فيها فقد حل عندي ومن سكنها فقد جاورني بكل معنى الكلمة وشيخنا التجاني يقول "جيراني لا أتركهم في الدنيا ولا في الآخرة"، وفق الله الجميع وجمع الجوامع ومنع الموانع.

والسلام

إبراهيم بن الحاج عبد الله نياس الكولخي

لعشر خلون من رجب عام 1383هـ.

وقد حصل عندي من الفرح بهذه الرسالة ما لا يعلمه إلا الله وصرت كل يوم أفتحها وأنظرها وأقرؤها وأقر عيني بالنظر في كتابة الشيخ وخطوطه التي هي سعادة للأنام.

اللهم لك الحمد ولد الشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. 





التقاريظ



تقريظ الشيخ رضي الله عنه

بقلم سيدي علي سيس



لما فرغت من الرسالة أتيت بها إلى الشيخ فطالعها ولما أتم مطالعتها دفعها للسيد علي سيس مع حروف يأمره فيها بأن يكتب كتابة في تقريظها، وهذا نص ما كتب:



الحمد لله الذي هدى المجاهدين فيه إلى سبيل المعرفة وأفاض عليهم ينابيع الهداية والحكمة فتضلعوا من العلوم الربانية بالوراثة المحمدية فهزوا إليهم بجذع النخلة وخصوا بتناول تلك النعمة والصلاة والسلام على هادي الوجود سيدنا محمد مركز الفيض والجود وعلى آله أبطال شموس الشهود وأصحابه الموفين بالعهود.



 وبعد،

 وقفت على رسالة غراء جمعها المقدم البركة الناصح والنور الواضح ذو الهمة العالية والتربية الأحمدية الإبراهيمية الذي نال من محبة شيخنا الحظ الأوفر وحظى من أسراره بالسر الأكبر حتى بسطت له يد العناية بعد تصحيح البداية ألا وهو العارف بالله الدال على الله سلالة مشائخ الطريقة القادة والمقتدى بهداهم على الحقيقة الشيخ الهادي بن سيدي مولود فال رضي الله عن الجميع وهذا السيد شب وشاب على اقتفاء آثار أسلافه الكرام ولم يكترث بالشرف الذي ورثه من أولئك السادة الفخام حتى من الله عليه بملاقاة مجدد القرن ومظهر الشأن حضرة الغوث الفرد الجامع الداعي إلى الله بإذنه وسر نوره اللامع من أصلح الله بظهوره العباد وعم نفعه البلاد بتوالي النفحات والأمداد مولانا الشيخ الحاج ابراهيم أماتنا على عهده ومحبته مولانا الكريم وساعتئذ انخرط في سلكه وأخذ حبه مجامع قلبه ومكث عنده زمنا سالكا مسلك الرجال ومقبلا على الله في أحسن حال ومقال فمن عليه بالاتصال من غير انفصال.

سبل المعالي بنور الله سالكة


                              والإرث أجدر ما يحظى به الولد

وقد بالغ في النصح جامع هذه الرسالة وأوضح فيها البرهان للخاصة والعامة ودمغ بها حجج من زلت أقدامهم واتبعوا أهواءهم واستغنوا بالانتساب للمشائخ من غير الاقتداء بهم وتتبع آثارهم والتخلق بأخلاقهم وهم على هذا الحال يحسبون انهم يحسنون صنعا، وهي على صغر حجمها حديقة للناظرين ومغناطيس لقلوب السالكين ومرقاة لذوي المعارف الهادين المهتدين ومن طالعها ونظرها بعين الإنصاف علم يقينا أن لهذا السيد اليد الطولى في بحر العلوم الحقانية والعوارف والمرتع الخاص في رياض المعارف والباعث الداعي إلى كتب هذه الحروف إني دخلت على سيدنا وعمدتنا صاحب الفيضة وقطب رحى المعرفة فإذا هو يطالع هذه الرسالة ولما فرغ منها مدها إلي وتناولتها باليمين وأمعنت نظري فيها فإذا هي كالدر الثمين ثم أعدت النظر ورتعت في معانيها فوجدتها مرصعة بجواهر الأذواق ومشحونة بفرائد الفوائد التي لا تكتب في الأوراق ولا تنظر بالأحداق من مدد مولانا الشيخ أبي إسحاق صاحب الفيض الجاري والمدد الساري بلا نزاع ولا شقاق، فهي بحق "إرشاد السادة إلى مطلع السعادة"، ولما مكن الشيخ من يدي هذه الرسالة كتب لي حروفا معها مضمونها الأمر بتقريظها، وهاك نص ما خطته أنامله المباركة:



 الحمد لله

السلام عليكم،

سيدي علي سيس،

أكتب حروفا في تقريظ ما كتب الشيخ الهادي بارك الله فيكم والسلام عليكم، انتهت.



وأسال الله تعالى أن ينفعنا به جميعا ويرزقنا الصدق في محبته مع نيل رضاه حسا ومعنى.

 والسلام

علي سيس بن الحسن في 22/12/1357هـ فبلغنا المرام.















تقريظ

 السيد محمد عبد الله بن أحمد محمود بن فال الشنقيطي



وممن اطلع على الرسالة وقرظها السيد الرابح والولي الصالح العارف بالله السيد محمد عبد الله بن أحمد محمود بن فال الشنقيطي البكري العلوي.



وهذا نص ما كتب:

الحمد لله على رسالة سيدنا محمد والصلاة والسلام عليه وعلى آله ما ظهر على أيدي خلفائه لتلك الرسالة مدد، فإني طالعت هذه الرسالة فإذا هي جمعت ما في تلك الرسالة فقلت شكرا لنعمتها هذه الأبيات عجالة وإلا فالواجب لذاكرها إن أراد أن يذكر قص محاسنها الإطالة فجزى الله منشئها عن الأمة بأحسن ما يجازى مرشد ناصح أبرز نصحه في نور لائح وطيب فائح:



رسالة أرسلت من نورها الهادي

إلى قلوب الورى أسرار إرشاد

شادت معالم إرشاد لمطلب الإ

رشاد واهتز من إطرابها الشادي

لا غرو فالهاد هاديها ومرشدها

والهادي حقا إلى سبل الهدى هادي





















تقريظ



السيد محمد المختار بن المجتبى التجاني



وقد حظيت الرسالة كذلك بتقريظ شاعر الفيضة الشاب الرابح والولي الصالح غيظ الأعداء و مسرة الأحباء العارف بالله السيد محمد المختار بن المجتبى التجاني، وهذا نص ما قال:



نهج السعادة لاح والإرشاد

برسالة الأرضى الإمام الهادي

برسالة جمعت مسائل لم يحد

عنهن غير مؤثر الإلحاد

جمعت مسائل ما استعد لمثلها

إلا ملامس مطلب الأفراد

يا حاسد الهادي اسعين كسعيه

تكن الجدير بكثرة الحساد

أو مت بغيظك لن يصيرك مثله

عرض الدنى ومناقب الأجداد

من راح بالشيخ الفؤاد معلقا

لم يجفه إلا مريض فؤاد

إني لمن طلب الهدى حقا أقو

ل على سبيل النصح والإرشاد

بالشيخ إبراهيم فلتتعلقن

                       تنل المنى من حاضر أو باد

وتجد على سر الإله مطالبا

ما إن ترى بتفتت الأكباد



وبهذه فلتمسكوا وتأملوا

معناتها تحظوا بكل مراد

فقد استحقت أن تخط بما النضا

ر وأن تصان قلائد الأجياد

يا من بها جادت قريحته التي

كم أعملت فأتت بكل مجاد

لا زلت في شرف وعز وارتقى

وفضائل تترى بأفضل هاد

صلى الإله عليه ما وضح الهدى

برسائل الهادي وغنى الحادي











































تقريظ



الشيخ محمد عبد الرحمن بن أبي بكر بن فتى



شنف مسامعنا بالعارف النبه

ما الأمر عند ذوي الزلفى بمشتبه

من كانت الروح عند القدس مركبه

                 حتى اكتسى من لآل الفهم كل بهي

وخاض أمواج بحر النور منغمسا

في أبحر القدس حتى فات كل نهي

وجال في عرصات الطيب منقبضا

عن عالم الحس والأرواح والشبه

لا يمنع المرء عندي عن تعلقه

بالشيخ أحمد إلا فادح السفه



تمت رسالة "إرشاد السادة إلى مطلع السعادة" وهي رسالتي التي كتبتها إلى والدتي شارحا فيها سبب تتلمذي على الشيخ إبراهيم وما وجدته عند الشيخ من خصوصية ربانية لا يمكن أن توجد إلا عنده؛ وتضمنت هذه الرسالة زيادات وتنقيحات.

وليعلم من نظر فيها أن مرادي منها إنما هو إرشاد من وفقه الله لاتباع هذا الشيخ الذي جعله الله بيننا خليفة عنه بحكمة بالغة وجعله الله دالا عليه بحاله ومقاله ومحييا لسنة نبيه في آخر الزمن.

ومن أراد الاستزادة فليراجع كتاب الشيخ "كاشف الإلباس عن فيضة الختم أبي العباس"، فقد تضمن من الإشارات الواضحة لما خص الله به آخر الأمة ما يشفي الغليل ويبريء العليل.

وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين


...تابع القراءة