الأحد، 10 فبراير 2019

تأصيل الذكر بالاسم المفرد الله (الحلقة2)

تابع لتأصيل الذكر بالاسم المفرد (الله) لغة وشرعا :الحلقة الثانية.
****************************************

• 2ــ كما يشهد لعمل الصوفية :أن تكرار الألفاظ على سبيل التأكيد أو التحذير أو الإغراء معروف ونص عليه  كبار النحويين في أمهات كتب النحو كالخليل بن أحمد(14)   وسيبويه(15)  وابن مالك(16)  وابن هشام(17)  ، وابن جني(18)   والمرادي(19)   والزمخشري(20)  ،وأبي حيان(21)  ، والأشموني(22)  ، والسيوطي(23) ،  والصبان(24)  ،وغيرهم .
• 3 ــ كما يشهد لقوة مذهب الصوفية في ذكرهم باسم الجلالة مكررا ما جاء في حديث مسلم عن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله ".(25)  ففي هذا الحديث دليل لمشروعية تكرار اسم الله تعالى .
•  4 ـــ كما يشهد لقوة مذهبهم : ورود اسم الجلالة مكررا على وجه التأكيد في الحديث الصحيح عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب – أو في الكرب – الله الله ربي لا أشرك به شيئا"(26) .
• 5 ــ ويشهد لقوة مذهبهم ورود اسم الجلالة  مكررا على وجه التحذير أو الإغراء أو النصب بفعل محذوف تقديره اتقوا أو ارقبوا في الحديث الصحيح :عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند وفاته فقال : (الله الله في قبطِ مِصرَ؛ فإنَّكم ستظهرونَ عليهم، ويكونُون لكم عُدَّةً وأعواناً في سبيل الله)(27).
• فإن قيل: إن الذكر باسم الجلالة لم ينقل عن السلف قلنا : جاء مكررا في الأحاديث السابقة فدلت على جواز تكراره ثم إن عدم النقل ليس دليلا على العدم .
•  وإن قيل: تركوا الذكر به. قلنا: ثبت في الأحاديث أعلاه وروده عن الشارع صلى الله عليه وسلم  مكررا فجاز تكريره استنادا إليه صلى الله عليه وسلم . ثم إن تركهم  ليس مسلكًا لإثبات الأحكام الشرعية بمفرده . وقد رد الإمام ابن حزم كراهة صلاة الركعتين قبل المغرب بسبب ترك أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لهما بقوله:[لو صح لما كانت فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما، ولا أنهم كرهوهما، ونحن لا نخالفهم في أن ترك جميع التطوع مباح] اهـ .(28)
• وإن قيل: الذكر باسم الجلالة مفردا أمر محدث. قلنا: ورد في السنة مكررا كما قدمنا ، مع أن أهل العلم فهموا من الحديث المتفق عليه :ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا ... ما نص عليه  الحافظ ابن حجر بقوله : [واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور] اهـ(29) .
وإذا جاز إنشاء ذكر غير مأثور داخل  الصلاة، فإنشاؤه خارجها من باب أولى.

يتواصل إن شاء الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (14)ــ الجمل في النحو (ص: 83).
 (15)ــ الكتاب لسيبويه (1/ 256).
 (16)ـ شرح الكافية الشافية (3/ 1381).
(17) ــ شذور الذهب (ص: 15).وشرح شذور الذهب لابن هشام (ص: 282)، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (2/ 166)، شرح قطر الندى وبل الصدى (ص: 289).
 (18)ــ الخصائص (3/ 104).
 (19)ــ توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (3/ 1158).
 (20)ــ المفصل في صنعة الإعراب (ص: 74).
(21) التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (7/ 52).
 (22)ــشرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/ 88)
 (23)ــ همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (2/ 27).
 (24)ــ حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/ 285).
 (25)ــ  صحيح مسلم (1/ 131)
 (26)ــ سنن أبي داود (2/ 632)
 (27)ــ أخرجه الطبراني في "الكبير" (23/265)وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10/ 63): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
(28)ــ "المحلى" (2/ 22)
 (29)ــ فتح الباري (2/ 287).
...تابع القراءة

تأصيل الذكر بالاسم المفرد الله

بسم الله الرحمن الرحيم

تأصيل  لذكر الله باسم الجلالة ( الله)  لغة وشرعا:(الحلقة: الأولى):

مقال منشور في مجاة أنصار الدين الصوفية العدد 3 (ربيع الأول : 1439 هـ)ص: 20 .

بقلم: محمد عبد الرحمن بن الشدو .


بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد النبي المصطفى  الكريم، وعلى آله وصحابته خيرة الأنيم،   وسلم أكمل التسليم، وشرف وعظم ومجد وسود وكرم أتم التكريم .وبعد:
فقد اعتنى  الصوفية  قديما وحديثا  باسم الجلالة (الله) ولهجوا بذكره ودعوا الله به ونالوا من نفحاته وفيوضاته ، وفهموا فيه ما رمز إليه ابن جزي في تفسيره بقوله : ثم إنّ ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجممحمد عبد الرحمن بن الشدوعة في الذكر الفرد وهو قولنا:
الله، الله. فهذا هو الغاية وإليه المنتهى (1) .
وقول الجنيد رحمه الله : "ذاكر هذا الاسم ذاهب عن نفسه، متصل بربه، قائم بأداء حقه، ناظر إليه بقلبه، قد أحرقت أنوار الشهود صفات بشريته"(2).
  وقال الإمام زروق: "ولهذا اختاره المشايخ ورجحوه على سائر الأذكار، وجعلوا له خلوات، ووصلوا به إلى أعلى المقامات والولايات، وإن كان منهم من اختار في الابتداء لا إله إلا الله وفي الانتهاء الله الله"(3) .
 ومذهب أهل التصوف في الذكر باسم الجلالة   مبني على تعظيم معناه وحسن مبناه ويسر التلفظ به ، واعتباره جامعا لمعاني أسماء الله الحسنى جميعا ، وعملهم فيه موافق لمذهب فقهي شهير وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى  الذي يجيز الشروع في الصلاة بلفظ الجلالة وحده، كما هو مبسوط في أمهات كتب المذهب الحنفي(4)  .
قالوا : ودليل أبي حنيفة: أن النص معلول بمعنى التعظيم، وأنه يحصل بالاسم المجرد، والدليل عليه أنه يصير شارعًا بقوله: لا إله إلا الله، والشروع إنما يحصل بقوله: الله لا بالنفي(5)   اهـ.
ومما يشهد لقوة اختيار أهل التصوف :
• 1ــ  قول ابن الجوزي(6)   وأبي حيان الأندلسي اللغوي(7)  : {فادعوه بها}(8)  أي: نادوه بها،كقوله: يا الله، يا رحمن. و قول العز ابن عبد السلام : {فَادْعُوهُ بِهَا}(9) عظَّموه بها تعبداً له بذكرها،أو اطلبوا بها وسائلكم(10)  وقول القاضي ابن العربي المالكي والقرطبي المفسر : وإن دعوت بالاسم الأعظم قلت: يا الله،فهو متضمن لكل اسم(11).
وعلى ذلك فالقائل : الله الله يكرها إنما يدعوا الله ويناديه ويعظمه امتثالا لقوله تعالى : {فادعوه بها }(12)  طبقا لما فسره  به هؤلاء المفسرون.
فإن اعترض معترض بقاعدة النحويين التي تقول بأن اسم الجلالة لا يجوز حذف ياء النداء قبله ما لم تعوض بميم : "اللهم"  . قلنا قد أجاز  بعضهم(13)   نداءه غير متصل بها مستشهدا بقول أمية بن الصلت:
رضيت بك اللهم ربًّا فلن أرى ** أدين إلها غيرك اللهَ ثانيا

يتواصل إن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تفسيرابن جزي التسهيل لعلوم التنزيل (1/ 102)
(2) ينقل حامد إبراهيم محمد صقر في كتابه نور التحقيق في صحة أعمال الطريق ، ص: 179-180.طبعة دار التاليف بمصر سنة 1970.
(3)ـ بنقل الغماري في: الإعلام بأن التصوف من شريعة الإسلام، ، ص: 57.. ط مكتبة القاهرة الطبعة الثالثة  2014.
(4) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 131) ، المبسوط للسرخسي (1/ 36).، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 293)، العناية شرح الهداية (1/ 284)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 51)، البناية شرح الهداية (2/ 175)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 65)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 480)،
(5) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 131).
(6) زاد المسير في علم التفسير (2/ 172)
(7) البحر المحيط في التفسير (5/ 231)
(8)[الأعراف: 180].
(9)ــ[الأعراف: 180].
(10)ــ تفسير العز بن عبد السلام (1/ 515)
(11)ــ أحكام القرآن لابن العربي (2/ 351)، تفسير القرطبي (7/ 327)
(12)ــ[الأعراف: 180].
 (13) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (4/ 9) ، شرح التصريح على التوضيح أو
التصريح بمضمون التوضيح في النحو (2/ 208).
...تابع القراءة