الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

نبذة مختصرة عن حياة شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم بن الحاج عبد الله نياس

نقدم فيما يلي نبذة مختصرة عن حياة شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم بن الحاج عبد الله نياس رضي الله عنه.

مولده ونشأته:
ولد رضي الله عنه يوم الخميس 15 رجب 1320هـ في طيبة، وهي قرية صغيرة قرب كولخ في السنغال.
ونشأ في حجر والده، وقرأ عليه القرآن حتى حفظه حفظاً جيداً برواية ورش عن نافع.
وقد ظهرت عليه النجابة في صغره، وبعد أن حفظ القرآن شمر عن ساعد الجد والاجتهاد في تحصيل العلوم، المنطوق منها والمفهوم، وبلغ فيها المنى والمراد، وتبحر فيها وتفنن بجميع فنونها.وتولى تعليمه والده العالم المجاهد الحاج عبد الله بن محمد نياس.

وازداد من العلوم والتضلع فيها بهمته العالية وانهماكه المستمر في طلب العلم،وبعد أن نبغ رحمه الله في سنٍ مبكرة في التفسير وعلوم القرآن والحديث وعلومه، والفقه وأصوله، واللغة وفنونها، والتصوف، حتى أصبح مرجعاً في ذلك كله،تصدر لإفادة الخلق قبل بلوغ الثلاثين سنة، وأقبل عليه الناس من أقطار شتى، عرباً وعجماً ينهلون من علومه، وجاء العلماء قبل العوام يستقون من حضرته درر العلوم ويتشوقون لعلوم الرجال وتربية النفوس وتزكيتها، فكان لهم بحراً لا ساحل له ومنهلاً عذباً لا يمل ومركز فهوم لا ينضبه العل

.

دعوته:

اشتغل رضي الله عنه بإرشاد الخلق وتعليمهم وتربيتهم وأصبحت قريته التي أسسها وسماها (مدينة) قرب كولخ، منارة علمٍ وتربية.

لكن دعوة الشيخ لم تقف هنا، بل جاب أفريقيا وكل الأقطار الإسلامية، وكثيراً من الأقطار الأخرى ينشر دين الله ويدعو إلى الإسلام بالكلمة الطيبة، ويبث علمه بين الناس ويناظر العلماء للإفادة والاستفادة..

زار الشيخ رضي الله عنه مختلف المراكز العلمية والإسلامية في بلاد شنقيط والمغرب وتونس ومصر والحجاز، وباكستان والهند و الصين.

وانخرط في الدعوة في هيئاتها الرسمية،فقد كان:

× نائبا للرئيس ثم رئيسا للمؤتمرالإسلامي بكراتشي.

× عضواً مؤسساً في رابطة العالم الإسلامي.

× رئيسا مؤسسا لمنظمة الإتحاد الإفريقي لدعاة الإسلام

× عضواً مؤسساً في جمعية الجامعات الإسلامية بالرباط.

× عضوا في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة.

× عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.

× عضو في المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر.

وغيرها من الهيئات الدعوية الإسلامية.

أهداف الدعوة عند الشيخ:

حدد الشيخ أهداف دعوته في مقابلةٍ أجرتها معه صحيفة البلاد السعودية:

- دعوة غير المسلمين للدخول في دين الله وترك الوثنية وغيرها من الديانات الباطلة.

-الجد والاجتهاد في توعية المسلمين ونصحهم وإرشادهم ليزداد المؤمنون إيماناً مع إيمانهم.

-تجنيد كل الطاقات الممكنة لنشر لغة القرآن.

-الدعوة إلى تعميق الشعور بالأخوة الإسلامية.

-ربط الدعوة بالحركات والهيئات الإسلامية في العالم.

-التصدي للقوى التي تسعى لفتنة المسلمين من تبشيرية، مسيحية، ومن صهيونية متسترة وغيرها.

مكانته العلمية في العالم الإسلامي:

كانت للشيخ رحمه الله مكانة علمية بارزة في العالم الإسلامي، فقد كان محل التكريم والعناية في جميع الدول الإسلامية، وقد زارها كلها تقريباً، كما زار المجتمعات الإسلامية في الدول الأخرى، وقابل علماء عصره وأفادهم واستفاد منهم....

ومن أكثر البلدان التي زارها المملكة العربية السعودية حيث حج إلى بيت الله الحرام عشرات المرات كما زار القاهرة عشر مرات.

وكانت له صلات قوية بمشايخ الأزهر أمثال الشيخ محمود شلتوت، والشيخ الدكتور عبد الحليم محمود، وهما رئيسان سابقان للأزهر وقد أكرمه علماء الأزهر بأن لقبوه "شيخ الإسلام" (يقال بأن الشيخ شلتوت هو الذي لقبه بهذه الصفة).

وقد أكرمه مشايخ الأزهر مرة أخرى عندما طلبوا منه أن يؤم صلاة الجمعة في الأزهر، وكان ذلك بتاريخ صفر من عام 1381هـ (21/7/1961م)، وبعد صلاة الجمعة علق الشيخ محمد الغزالي على خطبة الشيخ بقوله: " إننا مطمئنون على مستقبل العالم الإسلامي ما دام في المسلمين أمثال ضيفنا العظيم شيخ الإسلام إبراهيم نياس".

والشيخ هو أول إفريقي ينال شرف إمامة المسلمين في الأزهر الشريف.

مدرسته الصوفية :

الشيخ ابراهيم نياس علم من اعلام الطريقة التجانية فى القرن العشرين ومجدد هذا القرن شريعة وحقيقة .

نشأ فى محيط تجاني حيث اخذ الطريقة التجانية عن والده العالم الجليل الحاج عبد الله نياس الذى تولى تربيته وتعليمه .

تلاميذ الشيخ:

قدر عدد أتباع الشيخ في مختلف مناطق إفريقيا وخارجها بحوالي ثلاثين مليون.

وقد تتلمذ عليه عدد كبير من أبناء شنقيط من أسرٍ ذات عراقةٍ في العلم والصلاح، وكذا من كثير من الأقطار الإفريقية و خارجها.

قوته في الحق:

كانت للشيخ صلات مع الرئيس جمال عبد الناصر وقد قابله عدة مراتٍ، ، ولما وقعت هزيمة يونيو 1967م وجه الشيخ رسالة إلى عبد الناصر أوضح له فيها المنهج والمخرج الصحيح، وطريق النصر، يقول في الرسالة:

"......وعلينا أن نسير مع خط النصر (إن تنصروا الله ينصركم)، ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)... فاتق الله يا أخي.. واتبع سبيل قائدك الأعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يقول: ( أدبني ربي فأحسن تأديبي) وكان خلقه القرآن...( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين).

فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر).... فسر على هذا الخط الذي يسير عليه النصر... ولا بد من الوقوف بباب الله بالتضرع والدعاء..."

الشيخ والقرآن الكريم:

كان الشيخ شديد الاهتمام بالقرآن الكريم حفظاً ودراسةً وتفسيراً، وتربيةً للأجيال عليه، فقد فسره عدة مراتٍ باللغة العربية، وباللغة المحلية السنغالية ( الولوف).

وكان يحرص على أن يحفظ أبناؤه ومريدوه القرآن في صغرهم، وأن يداوموا على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار كما هي عادته، فقد كان يختم القرآن مرتين في الأسبوع على الأقل....فيقرأ سبعاً كل يوم، ويصلي في الليل بما قرأه نهاراً.

وقد أسس الشيخ عدة مدارس لتحفيظ القرآن، يدرس فيها أساتذة سنغاليون وموريتانيون.

ويقول الشيخ في هذا المعنى:

ولتجعلن حفظ كتابك الكريم .. كرامتي إلى لقائك العظيم

الشيخ واللغة العربية:

كان الشيخ كثير الاعتناء باللغة العربية، ومن أهم مظاهر ذلك رفضه إدخال أبنائه إلى المدرسة الفرنسية إبان فترة الاستعمار الفرنسي  رغم الضغوط التي مورست عليه من قبل الفرنسيين؛ وأرسل أبناءه إلى الأزهر الشريف، حيث تخرجوا دعاةً وأساتذة.

وقد أسس الشيخ معهداً للغة العربية والعلوم الشرعية في مدينته بكولخ في السنغال، واستقدم له بعثات تعليمية من الأزهر الشريف.

واستمر هذا المعهد في العطاء ونشر اللغة العربية، وتخرجت فيه أجيال بعد أجيال، ويشرف الآن عليه أبناء الشيخ وأحفاده وتوجد في المعهد بعثة تعليمية من موريتانيا مكونة

من عدة أساتذة يدرسون في مختلف المراحل والتخصصات.

الشيخ وقانون الأحوال الشخصية في السنغال:

اختار مشايخ السنغال الشيخ إبراهيم نياس رضي الله عنه على أساس مكانته العلمية، لكتابة تقرير إلى الحكومة السنغالية يتضمن الرأي في مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي أعدته الحكومة وطلبت من الشيوخ إبداء رأيهم فيه.

وأعد الشيخ تقريراً عن القانون أوجز فيه بعض الملاحظات من أهمها أن القانون تضمن أبواباً ومواد تتعلق بالنكاح والطلاق ومدة الحمل والميراث وثبوت النسب وهي قضايا وأحكام قد فصلت في الشريعة الإسلامية تفصيلاً لا مزيد عليه ولا داعي لتطويره، ولا يجوز لمسلم الخروج فيها عن دائرة الشريعة الإسلامية في مصادرها الأربعة المعروفة وهي ( الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس).

كما طالب التقرير الحكومة السنغالية بترجمة القانون كاملاً إلى اللغة العربية ليطلع عليه المشايخ ويدرسونه.

الشيخ في الصحافة العربية:

اهتمت الصحف العربية بنشاط الشيخ ودعوته وأجرت معه الصحف مقابلات عديدة، وأعدت وسائل الإعلام التقارير والمقالات عنه وعن مدرسته وتصوفه ومكانته بين المسلمين في غرب أفريقيا وخارجها.

ومن الصحف المصرية التي نشرت موضوعات عن نشاط الشيخ وحياته ودعوته،مجلة الأزهر ومجلة المصور، وصحيفة الأهرام، وصحيفة المساء، وصحيفة آخر ساعة، وصحيفة الأخبار، ومجلة روز اليوسف وصحيفة الأنباء المغربية، والبلاد السعودية، والشعب الموريتانية، وغيرها من الصحف والمجلات العربية.

وكانت  صحيفة الأهرام المصرية قد نشرت فى عددها الصادر يوم 27/12/1999م مقالا

عن الشيخ، وهو الزعيم الديني الإفريقي الوحيد الذي يوجد له ملف خاص في مؤسسة الأهرام.

كما اهتمت الإذاعات العربية بنشاط الشيخ الدعوي حيث أجرت معه عدة مقابلات، منها مقابلة أجرتها معه الإذاعة المصرية بتاريخ 16 مارس 1961م.

مؤلفاته:

ألف الشيخ عدة كتب نافعة في التصوف والسلوك والفقه واللغة منها:

-  كاشف الإلباس وهو يتناول التصوف بشكل عام ويفصل في التعريف بالطريقة التجانية وفيضتها بوجه خاص.

 -  روح الأدب وهو نظم سلس في التزكية والتربية.

 -   سبيل السلام في إبقاء المقام وهو فنوى مفصلة حول مسألة تعليق  وتحويل مقام

إبراهيم عليه السلام.

- تبصرة الأنام في أن العلم هو الإمام

-  تحفة الحاضرة في مناسك الحج لا سيما في الطائرة ويتناول أحكام الحج فقها وإحسانا.

- نجوم الهدى في كون نبينا أفضل من دعا إلى الله وهدى.

- الحجة البالغة في كون إذاعة القرآن في الراديو سائغة.

- رفع الملام عمن رفع وقبض إقتداء بسيد الأنام.

- تحفة الأطفال في حقائق الأفعال.

إضافةً إلى كتب أخرى و عدة دواوين شعرية في مديح خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما أن له دواوين في مدح خاتم الأولياء سيدنا أحمد بن محمد التجاني.

أقوال أهل العلم عنه:

قال الداعية الكبير محمد الغزالي:

" إننا مطمئنون على مستقبل الإسلام مادام في المسلمين أمثال ضيفنا العظيم شيخ الإسلام إبراهيم نياس".

قال العلامة الشيخ محمد محمود الصواف:

" والشيخ إبراهيم نياس هو كبير مشايخ هذا الإقليم، بل هو الرجل القوي الذي يقف بصلابة أمام جميع التيارات المعاكسة للإسلام، وله مقام كبير ونفوذ واسع لدى الشعب السنغالي وبعض الشعوب الإسلامية الأخرى، وقد أسلم على يديه خلق كثير.. ".

قال الشيخ محمد الحافظ المصري بعد أن ذكر عدة أوصاف للشيخ:

" ... وباختصار هو نور هذا العصر".

وقالوا في مدحه:

قال العالم الرباني الشيخان بن محمد الطلبة الشنقيطي في قصيدة يمدحه بها:

أشمس بدت بالليل طالعها سعد** وما كان شأن الشمس بالليل أن تبدو

ويقول ,أستاذ الجيل, العلامة محمد فال (أباه) بن عبد الله:

رعيت أبا إسحاق والبيت والمسعى ** رياضاً من العرفان طيبة المرعـى

إلى أن يقول:

له ورع قد صير الندب واجبـا ** كما سير المكروه من ورعٍ منعـا

وموعظة لو باشرت جلمدا غدا ** لصولتها الجلمود يستهـل الدمعـا

أيا قارئ القـرآن متقـن فنـه ** وقارئـه عشـراً وقارئـه سبعـا

إلى أن يقول:

وجددت علم الشرع من بعدما عفا ** وكاد ظلام الجهل أن يكسف الشرعا

شمائله:

كان الشيخ عابدا زاهدا عالي الهمة لا ينام إلا قليلا، متصوفا متمسكا بالكتاب و السنة وكان أكبر مشايخ الطريقة التجانية في إفريقيا خلال القرن العشرين وكان إذا شكوا إليه مخالفات بعض المنتسبين للتصوف  يكرر الكلمة المشهورة عن شيخه مؤسس الطريقة التجانية الشيخ سيدي أحمد التجاني: إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به و إن خالف فاتركوه.

وتميز الشيخ بالكرم والسخاء والجود والحياء والصبر والوقار وحسن الخلق مع كل مخلوق واعطاء كل ذى حق والتخلق بالأخلاق النبوية واتباع سنة خير البرية .. وقد بلغ الغاية في التضرع إلى الله والإعراض عما سواه وتقوى الله في السر والجهر وحسن الظن بالله وتفويض الأمر إليه ،  وتخصص الشيخ في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفاته:

توفي رضي الله عنه في لندن حيث كان يعالج في شهر يوليو 1975م, واهتزت السنغال وافريقيا بل والعالم لوفاته و دفن في مدينته العامرة مدينة الواقعة شمال قرب كولخ, جنوب شرق السنغال في جنازة مهيبة حضرها خلق لا يحصى.

وقد قضى رضي الله عنه،عمره في الدعوة و نشر الإسلام و بث العلم و إرشاد الخلق و نصرة قضايا المسلمين و خاصة قضية فلسطين فكان مناهضا قويا للاختراق الاسرائيلي في افريقيا.

وقد خلف الشيخ بعده مدرسة دعوية تشع بنور الإسلام في جميع أنحاء العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق