السبت، 12 يناير 2019

ما هو التصوف؟

التصوف روح الاسلام
_______________
✏//بقلم العلامة
الحبيب علي الجفري

التصوف صارت كلمة تحدث عند كثير من الناس إشكالا , صارت تحدث حساسيه عند الخلق , والسبب في ذلك ,السوء الذي وصلت إليه الأمة من التدهور ,
يقول العلماء: ان الحكم علي الشئ فرع عن تصوره , فما هو المقصود بالتصوف حتي نحكم عليه , أخير هو أم شر ؟؟

التصوف الذي يعرفه أئمة السلف من لدن الحسن البصري إلي المتأخرين ممن أدركناهم من مشايخنا ,عرفوه بأنه هو الإنشغال بتحقق الإنسان بالركن الثالث من الدين وهو "الإحسان" ,
فعلم الفقه اشتغل بأركان الإسلام الأربعه الصيام والصلاة والزكاة والحج وما يتبع ذلك من معاملات , وعلم التوحيد الذي سمي بعد ذلك بعلم العقيده وكلمة عقيده لم تكن معهودة في عهد الصحابة ومن بعدهم ,استنبط من أركان الإيمان وهو الركن الثاني من الأركان الستة للدين , والتصوف هو العلم الذي اعتني باستنباط الأحكام والآداب التي يصل بها الإنسان إلي تحققه بالركن الثالث من أركان الدين وهو مقام الإحسان ,
إذن .. تعريف هذا الأمر هو أمر راقي , هو أرقي أركان الدين التي نطلبها
♡☆♡☆♡☆♡☆♡
نأتي بعد ذلك للإسم .. من اين جاء اسم التصوف ؟
فلم يوجد شئ أيام النبي صلى الله عليه وسلم اسمه تصوف !
وهذا تساؤل ينم عن جهل قبيح , لأنه عند أهل العلم أنه لا مشاحة في الاصطلاح , سميه ما شئت أن تسميه مادام الاسم ليس محرما , المهم هو ما تحت هذا الاسم ,
فمصطلح "علم العقيدة" لم يكن موجودا لا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ,
علم أصول الفقه لم يكن موجودا أيام الرسول ولا الصحابه , علم التجويد لم يكن موجودا أيام الرسول وأيام الصحابة بهذا الاسم , وإنما كان يتلقي لترتيل القرآن الكريم , علم الجرح والتعديل الذي به نعرف صحيح الحديث من ضعيفه و حسنه، ومن موضوعه لم يكن موجودا أيام رسول الله ولا أصحابه ,
إذن ..كلمة "لم يكن موجودا أيام الرسول والصحابة" ليست حجة كافيه لننبذ المسمى ,
فمن أين جاء اسم "التصوف" ؟
قالوا جاء من أهل "الصفة" وقد حرف من صفي -بتشديد الفاء- إلي صوفي ، وقيل جاء الاسم من المصافاة , صافاه الله من قبل الحج فسمي صوفيآ ,
وقيل أنه أخذ من "الصوف" ولا خطأ في ذلك , لأنه في عهد التابعين لما وجدوا الناس انكبوا علي الدنيا وأقبلوا عليها , وصاروا ينشغلون بملذات التوسع في المطعم والملبس ,والمسكن والمركب , لجأوا إلي التقلل من ذلك كله , وكان أرخص الثياب في ذلك الوقت هو "الصوف" ,
فكان هؤلاء الأئمة من الزهاد الصادقين في المعاملة مع الله إلتجأوا إلي أرخص الثياب زهدا في الدنيا فلبسوا الصوف فنسبه الناس إليهم فسموهم الصوفيه ,
فهذا هو الاسم وهذا المسمي , ولا غبار علي الاسم ولا علي المسمي ,
فهل كان السلف الصالح من أهل السنة والجماعه هم الصوفية ؟

الصوفية بهذا المعني الذي عرفناه هم أهل السنة والجماعه , ولو رجعتم إلي شرح صحيح مسلم للإمام النووي ستجدونه في ذكره لسنده الذي يروي به صحيح مسلم إذا أراد أن يمدح بعض شيوخ السند يلقبه ب"الصوفي" ,
واذا رجعتم إلي كتاب يسمي "صفة الصفوة" للإمام الحافظ ابن الجوزي لوجدتم أنه ترجمه لأكابر أئمة التصوف , من القرن الأول والثاني والثالث والذي يليه , وجعلهم صدور المترجم لهم المكتوب عن سيرهم ليقتدي بهم في كتابه هذا ,
ولو رجعتم إلي "أعلام سير النبلاء" للإمام الحافظ الذهبي , لوجدتم أنه ترجمة لشيوخ طائفة الصوفيه رحمهم الله ونفعنا بهم .

إذن .. الذي كان عليه السلف الصالح هو تعظيم هذا الاسم , وجعلوه مدحة اذا أرادوا ان يمدحوا به شخص أنه صوفي , وحتي من يحاول ان ينتقد ما كان عليه السلف الصالح وينكر "الصوفيه" , ويدعي أنه هو السلف الصالح دون سواه , فالمراجع التي يرجع إليها في انكاره كمراجع الشيخ أحمد ابن تيمية ,والإمام ابن القيم , لو قرأت كلامهم عن الصوفية ,لاستحييت أن تقبل كلام المتجريء عليهم ,
فقد ألف ابن تيمية كتابا سماه "الصوفية والفقراء" , أفرد مجلدين من الفتاوي في الكلام عن الصوفية و ذكر ان له سندا في الرواية عن القطب الإمام عبدالقادر الجيلاني شيخ الطريقة القادرية ,وكان ابن تيمية اذا ذكر في فتاويه الامام عبدالقادر الجيلاني يقول -قدس الله سره- وهذه لفظه يصطلح عليها الصوفية في كلامهم ,
أما ابن القيم فله كتابا في التصوف , شرح فيه كتاب في التصوف وسماه "مدارج السالكين في شرح منازل السائرين" , ومنازل السائرين هذا كتاب لعبدالله الهروي ,
اذن .. فالتصوف هو أصل روح الكتاب والسنة , هو التخلص من أدناس القلب وطهارته والتعرض لنفحة الرب عزوجل .

ما هو دور الصوفية حتي نعرف هل هم صادقون في نسبتهم إلي هذا العلم أم لا ؟
فإن جئنا من جانب العلم , فأكابر العلماء هم من الصوفية , ولا يستطيع قارئ من القارئين أن يروي سندا من القراءات السبع خاليا عن امام من أئمة الصوفية , فنجد على سبيل المثال أن مرجع أسانيد علم القراءات في مصر يتحد عند الإمام شيخ الإسلام زكريا الأنصاري , جميع القراء اذا روو السند يرجعون إلي زكريا الأنصاري , و زكريا الأنصاري هو من كبار أئمة الصوفية , وله كتاب شرح فيه الرسالة القشيرية وهو بمثابة "دستور التصوف" كما يقولون .
جميع أسانيد الأمهات الست في الرواية كالبخاري ومسلم وغيرها فجميع الأسانيد التي تروي علم الحديث , لا يستطيع أحد ان يتصل بها إلا عبر أئمة الصوفية ,
فإذا كان هؤلاء هم الذين خدموا علوم الدين أصبحوا يشكك بهم ,فغدا سيتوجه الشك إلي الكتاب والسنة , فلا ينبغي ان نشكك بهم لأنهم هم أعظم من خدم الكتاب والسنه .
لا تكاد تجد شارحا من شراح علم الحديث من كتب الأمهات الست إلا و له صلة بالصوفية , الامام ابن حجر العسقلاني صاحب "فتح الباري" شارح البخاري , هو الذي ألف ترجمة للامام عبدالقادر الجيلاني جمع فيها كراماته وأحواله ومجاهداته وما كان عليه , وهي مطبوعة ومعروفة ,
الإمام النووي شارح صحيح مسلم كان من كبار الأئمة الذين لهم الصلة القوية بالصوفية ,والذي يقرأ كتابه "الاذكار" و "التبيان في ادب حملة القرآن" و كتبه الذي تحدث فيها عن الأداب والرقائق ,يجد نفحة التصوف بارزة في كلامه , وقد ذكر في ترجمة الامام النووي أنه في آخر عمره وقد كان في دمشق يدرس في دار الحديث , جاءه احد فقراء الصوفية وقال : يا امام ان أحببت فإرتحل إلي نوي , فقد دنا الأجل .. فأخذ الامام النووي بكلام هذا الرجل الصالح الفقير وإرتحل إلي نوى , فلم تمضي أيام حتي لقي الله عزوجل , وهو في ال44 من عمره ..
فيأتي هنا إشكال , كيف عرف هذا الرجل الصالح الفقير ان وقت موت الامام النووي قد قرب ؟ هل يعلمون الغيب ؟
الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله , لكن الله يظهر من غيبه المطلق غيبا مقيدا يطلع عليه من شاء من عباده "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالي" ..

الصوفية والجهاد

هذا من جهة العلم ,, اما اذا جئنا من جهة الجهاد في سبيل الله عزوجل , فجميع المعارك التي عرفها المسلمون ضد القادمين عليهم , أئمتها و قوادها كانوا من أئمة الصوفية ,
من الذي أعاد بيت المقدس وقاد معركة تحريره ؟ صلاح الدين الأيوبي .. صلاح الدين هو الذي بني مدارس الصوفية في جبل "قسيون" في سوريا , ليهيأ منها الرجال الذين يتهيأون للجهاد في سبيل الله تعالي ,
هو الذي بني قبة الامام الشافعي الموجوده في مصر ,
صلاح الدين الأيوبي و أيضا نور الدين زنكي جعلا المنهج الذي يربون عليه من معهم او يستقطبون به من يجاهدون في سبيل الله هو "إحياء علوم الدين" وهو كتاب التصوف الكبير , وهذا الكتاب لم يفرد فيه بابا واحدا للجهاد لكنهم علموا ان السبب لتضييع المسلم لفريضة الجهاد هو حب الدنيا وكراهية الموت كما جاء في الحديث النبوي الشريف "الوهن" , فأخذوا الكتاب ليعالج هذا المرض وهيأوا الناس للجهاد .

من الذي كان في قيادة الحمله التي حبست لويس التاسع في مدينة المنصورة في مصر ؟
إنه الامام أبو الحسن الشاذلي رحمه الله , وكان قد جاوز الستين من عمره و كف بصره , فخرج حاملا للراية وهو يقول : الجهاد الجهاد ,, ومريدوه يأخذون بيده يقودونه , وإلتف حوله عصبة من أكابر العلماء ,كسلطان العلماء العز ابن عبدالسلام وغيره ,وكانوا هم في فسطاط الجهاد في الجيش الذي سجن لويس التاسع .

من الذي كان يقود الحملات التي تهاجم معسكرات التتار في الليل للتفريج عن أسري المسلمين ؟
انه الامام أحمد البدوي شيخ (الطريقة الاحمدية) رحمه الله تعالي ونفعنا به .
من الذي قاد حركة المرابطين في المغرب ضد المستعمرين ؟
انهم الصوفية ,
من الذي أقام الجهاد الكبير في ليبيا لتحرير أرض المسلمين من المستعمرين الايطاليين ؟
إنه عمر المختار , أحد أتباع الطريقة السنوسية .
من الذي قاد حملة المقاومة ضد المستعمرين في الشام ؟
إنهم شيوخ الطريقة النقشبندية والشاذلية .
من الذي قاوم المستعمرين البرتغال في اندونيسيا ونواحيها ؟
انهم شيوخ الطريقة العلوية .
وغيرهم الكثير ..

فالذي يتأمل هذا المعني ويستطرد ويتفقد من العصر الاول إلي الآن ومن الشرق إلي الغرب , لوجد انه ما من راية جهاد إلا والصوفية هم حمالها في هذا المجال .

الصوفية والدعوة الى الله
ولو جئنا إلي الدعوة إلي الله .. من الذي نشر الاسلام بالدعوة إلي الله بغير قتال ؟
إنهم الصوفية ,
لو جئت إلي جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا لوجدت ان السادة لأبي علوي أهل هذه الطريقة هم الذين نشروا الاسلام فيها ,
لو جئت إلي وسط أفريقيا وغربها لوجدت ان أصحاب الطريقة التيجانية وغيرها هم الذين قاموا بخدمة نشر الاسلام فيها ,
وقد كتب أحد القائمين بالتنصير في بعض أدغال أفريقيا مذكراته وهو من فرنسا , كان يقول في مذكراته ان أعظم عقبة كانت تقف في طريقنا لنقنع المسلمين ان يتركوا دينهم , أحد رجلين , إما رجل يقولون أنه من أهل محمد فإذا أتى احيا مشاعر الولاء لمحمد في قلوب الناس بمحبة الناس لأهل البيت , فأفسد علينا عمل أشهر في ليلة , وإما رجل من الذين يسمون أنفسهم "الصوفية" يأتي إلي مكان قد اجتهدنا عليه ستة أشهر أو اكثر مالا وطعاما وكساءا لنغير دين الذين في تلك المنطقة مستغلين جوعهم وحاجتهم , فنجد هذا الرجل الصوفي يأتي ويقيم حضرة يجمعهم فيها علي الذكر "لا إله إلا الله ", فيحيي ايمانهم ووجدانهم فيفسد عمل أشهر في ليلة واحده .
هذا في مجال الدعوة ..

الصوفية و الاقتصاد
أما في مجال الاقتصاد فنجد أن أكابر الذين أحيا بهم الله ثقل الاقتصاد الاسلامي ,ووضعوا وسائل البيع والشراء وتنظيم حركة السوق عندما كان الاقتصاد الاسلامي منتعشا , هم أئمة الصوفيه : الجنيد ابن محمد سيد الطائفة , كان صاحب متجر وكان من تجار بغداد , الامام أبو حنيفة كان من كبار التجار وهو صاحب تصوف .. وغيرهم الكثير من أكابر أئمة التصوف , فمنهم كانت ألقابهم تدل علي مهن كانوا قد امتهنوها كالنساج والغزالي والحداد تحيي اقتصاد الناس الذين يحيطون بهم

اذن .. جوانب الدعوة والاقتصاد والعلم والجهاد , علي أرض الواقع الذي نراه , ليس خيالا ونظريات وخطب , الصوفية كانوا هم أصحاب خدمة الدين فيه ,,
فالذين يضادون الصوفية الآن نسألهم : أين أثركم أنتم في الأمة ؟
عصر أولئك كان العصر الذي علت فيه الأمة , وعصر اليوم الذي يحارب فيه هؤلاء الصوفية ويفتري عليهم هو العصر الذي سقطت فيه راية الاسلام في كثير من القلوب قبل البلدان .

وأخيرا , شبهة تثار أن كتيرا ممن يقولون أنهم صوفية يرتكبون ما لا ترتضيه الشريعة , هذا موجود , مندسون علي التصوف بكثرة في كل مكان وزمان و في زماننا أكثر , فهم من المتمصوفة ,والتصوف برئ منهم ..
يقول في هذا المعني الامام الجنيد قاعدة قد وضعها , قال : اذا رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي علي الماء فلا تغتروا به حتي تقيسوه علي الأمر والنهي , فإذا وجدتموه ممتثلا للأمر ,منزجرا عند النهي , فهو من أولياء الله الصالحين , وهذه الفعلة الخارقه هي كرامة أظهرها الله علي يده , وان وجدتموه يخالف الأمر والنهي فاضربوا بكرامته عرض الحائط فإنه زنديق"
هذه القاعده التي يفهم بها التصوف كما ينبغي ..
التصوف كغيره من علوم الشريعة كعلم الحديث ,كعلم الفقه ,كعلم التفسير ,كعلم التوحيد ,اندست فيه أقواما ادعوه وهم ليسوا من أهله .. كالذي دخل علي علم الحديث باسم الحديث ووضع الاحاديث علي رسول الله وكذب عليه ؟
فهل نقول علم الحديث هذا به ناس وضاعين ,فتجنبا للشبهة إلغوا علم الحديث ؟
لا يتأتي ذلك ..
علم الفقه أليس فيه الفقهاء المرتشون الذين يبيعون الفتوي من أجل الدنيا ويبيعون دينهم ؟ هل نلغي علم الفقه من أجلهم ؟ لا ينفع هذا ..
علم التفسير أليس فيه من أطنب وأغرب في الإسرائيليات ؟ هل لأجل هذا نلغي علم التفسير ؟ لا يقبل هذا ..
علم التوحيد اليس من دخل فيه بالتجسيم والتشبيه والتعطيل والامور التي تخالف العقيده ؟ هل نلغي علم التوحيد ؟
هذا لا يقول به أحد ..
فإذا ألغينا علم التصوف ,وهو أساس في الدين ,فقد ألغينا أهم شئ في الدين وهو القلب , موضع نظر الرب عزوجل , من أجل أناس اندسوا فيه فقد ألغينا الدين .. لكن الصواب هو ان نعيد الامر إلي نصابه ,
فإذا أردت ان تتصوف ,فتحقق من الذي ستأخذ عنه التصوف ؟ من الشيخ الذي تطمئن له ؟ هل عنده علم شرعي ؟ هل تلقي بسند متصل في العلم الشرعي والعمل به في التزكية وفي التهذيب؟
هل سلوكه مستقيم يراعي السنة في عمله وفي هيئته واحواله ؟
هل تجد منه الصدق في المعامله وايثار الباقي علي الفاني ؟
هذا هو المقياس , اذا توفرت هذه الشروط واطمئن قلبك له , فخذ عنه التصوف واتبعه ,
, فالخلل الذي يحدث عند العوام عند اختيار الشيخ ,يظنون انه هو الذي يأتي بالخوارق ويطير ..هذا ليس بشيخ ,
لأن حقائق الكرامة ,هو ان يقيمك علي قدم الإستقامه .
ولذلك قالوا : ان الاستقامة هي أعظم كرامة ....

فمن مكر أعداء الاسلام ان يوجدوا في نفوس شبابنا اشمئزازا من الأئمة السابقين من السلف الصالح الصوفية وغيرهم ,حتي تأتي الأجيال القادمة فينفون العلم كله لأنه وصل عن طريق هؤلاء القوم .. فنسأل الله السلامة من التجرئ علي أولياء الله الصالحين , يقول تعالي في حديث قدسي " من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب.

#التصوف_روح_الإسلام من

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق