السبت، 1 ديسمبر 2012

التوضيح المحق لأمر الفيضة التيجانية بكلمة حق وصدق

وصلت إلينا في المدونة رسائل يتساءل كاتبوها وبعضهم من الإخوان التيجانيين الأعزاء ،عن الفيضة التجانية.

ورغم أنني لست فارس هذا الميدان فقد كتبت هذه الرسالة العجالة توضيحا لأمر الفيضة وجوابا للسائلين والمستفسرين "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة".

وقد سميتها " التوضيح المحق لأمر الفيضة التيجانية بكلمة حق وصدق".

ولقد استغربت أن يكون اليوم،أحرى بين التيجانيين، من يسأل عن الفيضة بعد ثلاث وثمانين سنة على ظهورها الذي عم الآفاق تماما بالأوصاف التي ذكرها خاتم الأولياء وممد الأصفياء الشيخ أحمد بن محمد التجاني رضي الله عنه،حيث انبثقت عنها وفيها ومنها ثمرات بطون بطون مقام الإحسان بأبهى صورها وأكمل معانيها.

وقد أكد انتشار الفيضة عبر العالم وظهورها الكامل بحمد الله تعالى كثرة أتباعها الذين يمثلون اليوم أكثر من 86 بالمائة من عموم التيجانيين كما أكدت ذلك إحصائيات تقريبية مؤكدة.

يقول صاحب الفيضة في هذا المعنى:

وفيضة الشيخ تعم الأرضا       وربنا الكريم عني يرضى

ولقد خص الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه وحكمته،أهل الفيضة بعلم الحقيقة مشربا ربانيا صرفا ولا نعني بعلم الحقيقة أدبيات التصوف ولا الفيوضات أو المشاهد التي وجدها بعض مشائخ ومجاذيب أهل الطريقة فدونوها في كتب تتداول هنا وهناك ،بل نقصد بها التربية المحمدية الأحمدية المأذونة الموصلة للمعرفة المتحققة المحققة الذوقية الشهودية للحق سبحانه وتعالى ولتجلياته أزلا وأبدا بما تضمنت تلك التجليات من معارف وعوارف مكنونة ما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.

فثمة آخر مكنونا بلجته          من أحسن الغوص في تياره ظفرا

وقد تضمن كتاب "كاشف الإلباس عن فيضة الختم أبي العباس" لمولانا صاحب الفيضة ما يكفي من الأدلة النقلية والعقلية على ظهور الفيضة على يده رضي الله عنه ،وقد حظي هذا الكتاب بتقريظ أجلاء الطريقة ممن لم يجددوا على الشيخ لكن اعترفوا بالحقيقة الناصعة التي هي وقع الفيضة على يده رضيالله عنه.

يقول مولانا الشيخ رضي الله عنه“والحكمة فى ظهور هذه الفيضة فى هذا الزمان الفاسد ضعف الإيمان فى قلوب الناس وكثرة الفرق الضالة والمضلة وهذه الأمة مرحومة فأفيضت إليهم المعارف والحقائق كي يرجعوا لأصل فطرة الإيمان”.

ويقول مولانا الشيخ رضي الله عنه في مقام من مقامات تحدثه بالنعمة "وإنى بحمد الله أعرف زهاء عشرة ملايين من المسلمين إعتنقواهذه الطريقة بواسطتنا، وعددا أوفر منهم كانوا قبل إتصالهم بنا كفارا وعبدة أصنام ومسيحيين وعددا أوفر منهم أدرك الفتح ومعرفة الله بالشهود والعيان لابالدليل والبرهان وكأنى بالشيخ التجانى و قد أنشد:

قد رشحوك لأمر لو فطنت له         فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

والفيضة التجانية هي ،بكلمة واحدة، ثمرة للعمل بالشريعة كتابا وسنة ولسلوك الطريقة وردا ووظيفة وللتحقق بالحقيقة مراقبة ومشاهدة ومعرفة.

فقد كان من فضل الله على أهل هذه الطريقة وبقاء سريان المدد فيها أن ظهرت الفيضة التجانية مصداقا لقول الشيخ التجانى رضى الله عنه الثابت عنه:“تأتى فيضة على أصحابى حتى يدخل الناس فى طريقتنا أفواجا أفواجا تأتى هذه الفيضة والناس فى غاية ما يكونون من الضيق والشدة.”

ولقد تواتر الحديث عن الفيضة بين أصحاب الشيخ التجانى فكانوا ينتظرون ويرقبون ظهورها وادعاها بعضهم واتضح أن الدعوى في غير محلها لعدم إقامة البينات.

وقد أجمع الخلفاء المعتبرون في الطريقة التجانية على أمر الفيضة التجانية التي تحدث عنها الشيخ رضي الله عنه، وذكر بعضهم أنها لم تقع في زمنه وبقيت تنتظر بأوصافها التي ذكرها الشيخ رضي الله عنه.

يقول مولانا الشيخ القطب المكتوم سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه في أمر الفيضة التجانية كما في كتاب الإفادة الأحمدية وهو من كتب الطريقة المعتمدة :" تأتي فيضة على أصحابي حتى يدخل الناس في طريقتنا أفواجا ،تأتي هذه الفيضة و الناس في غاية ما يكونون من الضيق و الشدة".

وقد أشار الشيخ رضي الله عنه لأهل الفيضة إشارة واضحة وذلك في قوله كما في الإفادة الأحمدية  : (طائفة من أصحابنا لو اجتمع أكابر أقطاب هذه الأمة ما وزنوا شعرة من أحدهم فكيف بإمامهم).

وقد ذكر خالنا السيد التجاني بن باب أمر هذه الطائفة في  منظومته الفريدة منية المريد بقوله:

طائفة من صحبة لو اجتمع *** أقطاب أمة النبي المتبع

ما وزنوا شعرة من فرد *** منها فكيف بالإمام الفرد ؟

فمما لا شك فيه أن هذه الطائفة هم أهل الفيضة التجانية حيث أن الشيخ ذكر الطائفة وهو ما يدل على أنه لا يعني عموم أهل الطريقة وإن كانوا كلهم داخلون في الضمانة العظمى، كما ذكر إمام الطائفة وهو ما يشير لصاحب الفيضة إذ المقصود إمام هذه الطائفة المخصوصة.

ويفهم من السياق أن الشيخ رضي الله عنه لم يكن يقصد نفسه كما ذكر بعض شراح المنية إذ أنه هو إمام الطائفة المخصوصة وإمام غيرها من عموم التيجانيين.

ويقول الشيخ الخليفة المعظم سيدي الحاج علي حرازم رضي الله عنه كما في رسالة الفضل والامتنان المشهورة :

"إن مما ضمنه النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ  رضي الله عنه أن يبقى مدده في مريديه إلى قيام الساعة وأن تكون طريقته في بني آدم أزيد من عشرة آلاف طريق، تتفرع إلى فروع كثيرة إلى قيام الساعة".

ومعلوم أن المشار له بهذه الطرق هو تعدد الزوايا عبر العالم وهذا ما حققته الفيضة بحمد الله تعالى شرقا وغربا جنوبا وشمالا.

 ومن الإشارات الضمنية للفيضة قول الخليفة القطب العلامة سيدي  محمد بن أحمد الكنسوسي رضي الله عنه في رسالته المشهورة المعروفة ب"الجواب المسكت في الرد على من تكلم في طريق الإمام التجاني بلا تثبت":"أن جميع الطرق تضمحل ولا تبقى إلا هذه الطريقة التجانية وذلك واقع ما له من الله من دافع بل قد وقع من خلال الفيضة، بحول الله وقوته وبعناية رسول الله صلى الله عيه وسلم مصداقا لقول الشيخ رضي الله عنه :" طريقنا تنسخ جميع الطرق وتبطلها ولا تدخل طريق على طريقنا ، طابعنا ينزل على كل طابع و لا ينزل عليه طابع".

والمراد بهذا النسخ ألا تبقى طريقة تصلح للتربية إلا هذه الطريقة كما أنه من معاني هذا النسخ استحالة التربية الحقيقية الموصلة إلى الله تعالى بالشهود والعيان لا بالدليل والبرهان خارج الفيضة بمدارسها التزكوية الفيضوية التي يتخرج منها كل يوم مئات العارفين المتمكنين.

ومن أدلة الفيضة قول سيدي العربي بن السائح رضي الله عنه في إحدى رسائله:"..والذي نتعقله فيما بلغنا عن الشيخ رضي الله عنه أن الفيضة التجانية إلى الآن لم تقع  لأن الشيخ رضي الله عنه قال : يدخل الناس في طريقتنا أفواجا ولم يخص بلدا ولا إقليما".

ولقد لخص الإمام النظيفي رضي الله عنه أمر الفيضة التجانية الكبرى في الأبيات التالية من كتابه " زبدة الخريدة على الياقوتة الفريدة"، قائلا :

فطابعها على الطرائق داخل *** و لا عكس عـن كل الوسائل أغـنـت

تدوم وتبقى مع دهور طويلة *** وفـي آخـــر الـزمــان تـأتـي بفيضة

فيدخلها الورى أفاوج رغـبة *** لــما شـاهـدوه من لـوائـح وصـلــــة

تعود إليها فيه كـل الـوسـائل *** كـمــا مِـلـل غــدت إلــى الـحـنـفـيــة

و يأخذها المهدي عند ظهوره *** لدى من له الإذن الصحيـح بـطـيبة

وممن أشار للفيضة التيجانية القطب الخليفة الهمام الإمام سيدي الحاج الأحسن البعقيلي رضي الله عنه حيث يقول في كتابه "سوْق الأسرار إلى حضرة الشاهد الستار" مبشرا بظهور الفيضة التجانية لتشمل الأمة المحمدية والزمان والمكان ، حيثما وجد الإسلام وجدت الطريقة التجانية قائلا" : وقد ضمن سيدنا الشيخ رضي الله عنه من الحضرة المصطفوية أن تدخل الأمة كلها أو جلها فيها أي في الطريقة التجانية،كما دخلت في الإسلام أفواجا، لوضوح أمرها ونور أهلها" .

وكما أن الطريقة ستوجد حيثما وجد الإسلام فكذلك الفيضة ستوجد حيثما وجدت الطريقة فجميع المواطن التجانية التي سلم أهلها من التحجير على فضل الله وسلموا من التعصب وانصاعوا لأقوال الشيخ رضي الله عنه، سلموا للفيضة وانتفعوا بها فهي فيضة الشيخ التجاني حقيقة إذ انه هو مفيضها من الحضرة المصطفوية عليها السلام ،والمحروم منها محروم من ثمرات الطريقة.

والحقيقة التي هي الحقيقة أن هذه الفيضة ظهرت على يد الشيخ الحاج إبراهيم عبد الله نياس الكولخي عام 1349 هـ بقرية كوسي وهي قرية نائية جنوب شرق السنغال ،وقد خصها الله بتفجير هذه الفيضة في ربوعها "ذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".

وكان الشيخ براهيم نياس قد أشار لقرب ظهور هذه الفيضة قبل أعوام من ظهورها بقوله:

وتأتي قريبا فيضة الختم هيئوا *** بتفريغ أغيار فتحظى بموضع

وقد أكد وقوع الفيضة على يد الشيخ إبراهيم نياس رضي الله عنه ،أجلاء الطريقة من معاصريه وهؤلاء هم أهل الحل والعقد في هذا الشأن فلا عبرة بما يقوله غيرهم.

يقول العلامة القاضي قطب الطريقة سيدي أحمد سكيرج عياشي رضي الله عنه مؤكدا وقوع الفيضة على يد الشيخ إبراهيم نياس:

شهدت لكم فتحا مبينا بما لكم         به الحق من بين البرية قد خصا

ورثت عن الشيخ التجاني خلافة       وإني لكم فيها أنص لكم نصا

وإني أرى الشيخ التجاني خاتما    وأنت الذي قد صرت في الخاتم الفصا

وما قلت هذا عن هوى وتبجح   ولا كان عن شطح رقصت به رقصا

ولكنه عن وارد جاء ناشرا         لواء سرور منه حاسدكم غصا

وكم طائر فخرا يعد مزاحما      لكم في المعالي والجناح له قصا

وممن أكد وقوعها على يد الشيخ إبراهيم نياس القطب الرباني سيدي الحاج عبد الله بن الحاج العلوي الشنقيطي الذي قال أنه كوشف له عن الفيضة ورآها لنفسه، ولما علم بقرب وفاته ورأى أنها لم تقع علم أنها تبقى في تلامذته فصار يكثر التقديم حرصا على التوسط فيها، وذلك سبب جولانه.

وقد تأكد هذا العلامة من أن الفيضة تقع على يد الشيخ ابراهيم نياس فقال له يوما: "تأتي الفيضة على يدك حقيقة لا مجازا وعلى يد غيرك من كل من يدعيها مجازا".

وقد جزم الكثير من علماء التجانية نثرا وشعرا بأن الشيخ هو صاحب هذه الفيضة، من ذلك ما يقوله سيدي محمد عبد الله بن المصطفى العلوي الشنقيطي:

ما هو إلا هو صاحب وقته *** وعلى يديه فيضة التجاني

عجب له بحر تضمن أبحرا *** من فيض رب العرش والأكوان

فمن الحقيقة فيه بحر زاهر *** ومن الشريعة فيه بحر ثاني

ويقول العلامة القاضي محمد عبد الرحمن ولد السالك بن باب الملقب "النح" في نفس الموضوع:

لست مرتابا في خلافة الشـــ **** ـــيخ ولا مصغيا إلى مرتاب

أنت لب اللباب ممن يربي **** وقليل فى  الناس لب اللباب

ويعلق الشيخ إبراهيم نياس في كتابه على أقوال هؤلاء العلماء بقوله: (قلت: وهؤلاء هم مشائخ الإسلام ورجال طريقتنا، فما عداهم عيال لهم، وكلهم  اقروا بوقوع الفيضة على يد العبد الجاني).

ومما يدل على أن الشيخ إبراهيم رضي الله عنه هو صاحب الفيضة أن عددا كبيرا من أبناء بيوتات الطريقة التيجانية العريقين فيها شرفا ،وفي مقدمة هؤلاء:

الشيخ الشيخان بن محمد بن الشيخ محمد الحافظ

الشيخ محمد النحوي

الشيخ الهادي بن السيد بن سيدي مولود فال

الشيخ محمد المشري بن عبد الله بن الحاج

الشيخ عبد الله (الايجيجبي)

الشيخ محمدن بن أحمد الطلبة

الشيخ محمد الأمين الجكني

العلامة الشيخ محمد الحسن بن أحمد الخديم

العلامة التاه بن محمد سالم بن ألما

ونكتفي بهذا القدر ففيه الدلالة الكافية على الفيضة وعلى صاحبها لمن يبحث عن الحق والحقيقة،ونختم بمد أكف الضراعة إلى الله تعالى راجين أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه..وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.