الخميس، 3 يناير 2019

حياة محمد مولود بن احمد فال

أعلام الصحراء(21):
العلامة آدَّ اليعقوبي

بعد الدنس الذي أصاب سمعة ولاية الترارزه من جراء تصرف بعض متملقي أبنائها(والبياض قليل الحمل للدنس)، وبما أن الليلة ليلة الجمعة، وبما أن الفضائل الإسلامية صارت من أقل العلوم الشرعية انتشارا وتعاطي، وبحكم أنني لم أقف -فيما وقفتُ عليه- على هذا العالَم الأزرق على ترجمة له، أردتُ أن أقدم هذه الترجمة للعلامة الوحيد والنظامة المُجيد: محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي الشهير بلقبه "آدّ"، هذا العالِم الذي قليل من رواد المحاظر من لم يستفد من آثاره خصوصا في الفضائل الإسلامية، واشتُهر عند البعض بـ"صاحب الكفاف" دون أن تكون له حتى معرفة باسمه، أرى أنه ما أعطي حقه ولا أنزل منزلته رحمه الله.

هو محمد مولود بن أحمد فال بن محمذ بن الأمين بن المختار بن ألفغ موسى بن يعقوب بن أبي موسى بن أبيال بن عامر بن أبيال الأكبر بن ابهنضام الجد الجامع لقبيلة إديقب الحسانية وأحد الخمسة المؤسسين لحلف تشمشَ، وأمه مريم منت محمد مولود بن الناهي من أسرة أهل أحمد ول لفظيل وهم أسرة من "تياب" أولاد زنون من قبيلة أولاد دمان التروزية، وقد اشتُهرت أسرة أهل ألفغ موسى اليعقوبية بالقضاء حتى أن كل والدي المؤلف إلى ألفغ موسى كانوا قضاة، قال العالم الأديب امحمد بن أحمد يوره الديماني:
والموسويون الألى قد فصلوا ... حكم القضاء بكل حكم فيصل
وقال الشاعر الخنذيذ المامون بن محمذ الصوفي اليعقوبي:
يا آل موسى لم تزل حضراتكم ... وظلال حلتكم محط الأرحل
لا تبرحن نار القراءة والقِرى ... فيكم بني موسى هدى للنزّل

كان والده أحمد فال قاضيا معتمدا في عموم الترارزه وكان نظامة حسن النظم بالفصحى والعامية، ومن نظمه بالفصحى:
دويبة سوداء لا تكاد ... تفارق الإبل هي القُراد
فإن تمت بلبن تنجسا ... إن كان بالتغيير قد تلبسا
وغير آسن-حكى الأجهوري- ... كحكم آسن على المشهور
وحكم قشرة الضروع حكم ما ... قُدّم في القراد عند العلما
ومنه:
وليس ما بقي في المذبوح ... في موضع الذبح من المسفوح
ومن نظمه بالحسانية:
مول الفطرَ كان ارسلهَ ... واتعيثر بيهَ مرسولُ
ما لازملُ لخلاص الهَ ... الخرشِ هاذَ مقولُ

وجده لأمه محمد مولود بن الناهي كان عالما يشار إليه، تتلمذ على الشريف سيد محمد الصعيدي وله عدة مؤلفات، فمحمد مولود بالخلاصة سليل أسرتين علميتين كبيرتين.

وهو كما هو واضح مسمى على جده محمد مولود بن الناهي، وقد لقب "آدَّ" ولعلها لقب كان يناديه به أبناؤه فاشتُهر به على عادة بعض الصحراويين.

ولد محمد مولود(آدَّ) في حدود 1844م، بدأ دراسته على والدته مريم التي أخذ عنها جل أو كل القرآن، وتلقى التجويد على بعض أقاربه، ثم انتقل إلى محظرة النحوي محمد عالِ(معِ) بن سيد بن سعيد الألغ حيبلي فأخذ عنه النحو، وأخذ الفقه عن ابن عمه محمد مختار بن حبيب الله بن محمذٍ(آبَّ) اليعقوبي، كما حضر دروس العلامة محمذ فال بن متالِ التندغي.
لكن جل معارف آدَّ اكتسبها من مطالعته في مكتبة جده محمد مولود بن الناهي ومكتبة والده القاضي أحمد فال، وكان ذكيا ثاقب الذهن محبا للعلم.

وسرعان ما ظهر آدَّ أعجوبة زمانه وعالم أوانه، فقد انتهى في علوم كثيرة: علوم القرآن والحديث والفقه واللغة والأدب والسلوك، وكثر تلاميذه واشتهر ذكره، وقد بلغ مرتبة الإجتهاد بحيث أنه اطلع على أقوال العلماء في المذاهب الأخرى كما يستشف من آثاره، مثل قوله في الكفاف:
ونهج قوم منهم ابن حنبل ... نقض الوضو بأكل لحم الإبل
والذبحِ عند قوم آخرينِ ... وعروة بمس الانثيين
وحلقة الدبر لدى حمديس ... من قومنا والشافعي الإدريسي
وللإمام الحنفي النقض حصل ... إن قاءَ أو فُصد أو قهّ مُصل
وكقوله فيه في باب الذكاة:
وجاز ذبح الشاة من قَفاها ... لدى الثلاثة ومن قفاها
يعني بالثلاثة الأئمة الثلاثة غير مالك.
كما يستشف منها تماشيه مع القرآن باستحضاره الدائم للغته، كقوله في الكفاف:
وعاقد بعضوه رأس جمل ... فما أقلته السفينة حمل
وهو يعني بالجمل حبل السفينة الذي تربط به بالمَرسى، وهو المذكور في قوله تعالى: "حتى يلج الجمل في سَم الخِياط"، وكقوله فيه في نواقض الوضوء:
وغيبة الحِلم كنوم ثقلا ... أو جن أو سكر أو اغما تبَلا
فالحِلم فُسر بالعقل في قوله تعالى: "أم تامرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون"، وقوله فيه:
صحّ عن النبي كُره البَرد ... قبل العِشا وسمر من بعد
فالبَرد فسرت بالنوم في قوله تعالى: "لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا"، وقوله فيه في فصل سترة العورة:
تمامُ بين ركبة وسره ... وما عدا وجهَ وكفّ الحره
وبضروريّ تُعيد إن بدا ... خفيفها أَمَهاً أو تعمُّدا
فالأمه قرئ به قوله تعالى: "وادّكرَ بعد أمة"، وقوله أيضا فيه:
وفي ركوع وسجود أوّب ... وفي السجود فضلَه جلّ اطلُب
فإن التأويب فسر بالتسبيح في قوله تعالى: "يا جبال أوّبي معه والطير".

تميز آدّ بكثرة التآليف النثرية والنظمية، والناظر في أحد تآليفه في أحد العلوم يحسبه لم يتخصص إلا في ذلك العلم، ولم تتميز مؤلفاته فقط بالكم لكنها أيضا كانت غاية في الجودة، ورغم ضياع أغلبها إلا أننا نذكر مما وصل منها:
*في علوم القرآن:
- نظم بصائر التالين لكتاب رب العالمين وشرحه، يقول في بدايته:
الحمد لله على إتحاف ... هدى ونور للصدور شاف
وصلواته تسح أبدا ... على محمد ومن به اهتدى
هل غادر السلف من تردم ... أم هل فنى فيهم نوال المُنعم
لا والذي مبسوطة يداهُ ... ما نقصوا بذرة نداهُ
بل يده سبحانه سحّاء ... لبدَ لا يغيضها عطاء
هذا وهاك من أداء ذكرِه ... ما يخرج التالي به من نثرِه
مع اختصار موعب لم أجد ... له نظيرا في نواحي بلدي
إلا المخارجَ فقد كفاني ... مؤنتها البري والجكاني
أضاف لاتفاقهم ما فيه ... من نهج ورش حسبُ مقتفيه
صنيعه إطلاق ما لا خلف فيهْ ... وعزو ما فيه خلاف لذويهْ
وأسأل الوهاب أن يكونا ... عونا على كتابه قالونا
..
- البشائر في تفسير القرآن.
- نظم في التفسير.
- نظم آداب التلاوة وشرحه، يقول فيه:
فالأدب الأدب يا ذا التالي ... فقارئ النور يناجي العالي
هيء لنجوى الملك الديان ... طهارة الحدث والمكان
واستك لها والبس لباس الزينه ... ولازم الوقار والسكينه
مخبت قلب مخلصا مستقبِلا ... إن لم يكن في ملإ أما ملا
مجتمع لذكر أو تدارس ... فينبغي تحليقهم في المجلس
..
- ما أجمع عليه القراء من واجب الأداء.
- القول السديد في وجوب التجويد.
- نظم مترادف القرآن، مع شرحه.
- شرح على ابن بري.
- نقلة في أحكام الوقف.

*في علوم الحديث:
- تأليف في مصطلح الحديث.
- تذييل لنظم صُلاحي بن الشيخ محمد المامي في تصحيح بعض شائع الأخبار، ومنه:
فهاك تذييلا لما صُلاحي ... روى عن الأستاذ ذي الصلاح
من صُح أو إبطال ما قد اشتهر ... بين الورى وشاع أنه خبر
..

*في اللغة، وكان آدّ عالم اللغة العربية في الصحراء في زمنه بلا منازع، وأنظامه خير شاهد على ذلك، ويروى أن أحد العلماء قال أن أنظامه يمكن أن تدرس طلبا فقط لما فيها من اللغة بغض النظر عن مواضيعها!،:
- إنارة الأفكار بشواهد النحو من الأخبار والآثار.
- العين الثره فيما يخفى من معاني الطره، علق به على طرة ابن بون على ألفية ابن مالك.

*في الفقه الذي كان آدَّ أحد أساطينه في زمنه:
- نظم كفاف المبتدي في فنيْ العادات والتعبد، وشرحه، وهو أجود نظم وقفنا عليه مستوعبا أبواب الفقه المالكي، يقول في بدايته:
الحمد لله الذي هدانا ... وبيّن الشرع لنا تبيانا
صلى وسلم على من أرسله ... معلما لدينه ففصله
هذا لما نص أعيان الكُتب ... أن مفيدات التصانيف تجب
صرفتُ همتي لصوغ نظم ... يُفيد الامي وغيرَ الامي
مبينا لما به البلوى تعُم ... لأمر الاشياخ بأُثرة الأهم
لا ما استبد ببلاد نائيه ... كالجُمعات وشراء الأهويه
فليدعه الداعي كفاف المبتدي ... في فنيْ العادات والتعبد
آثرتُ ميله إلى التوضيح ... وطي الاحكام على التوشيح
لذا كثيرا ما طوى طي السجل ... بيتا أو أكثر بشطر أو أقل
هذا وإني لم أكن جُذيله ... لكن تطفلا على سُخيله
فكم وكم من عامر في بلدي ... وعامر لمثله لم يهتد
وأسأل الوهاب علما نافعا ... وطيب العيش لمن فيه سعى
وحبه لكل من تدبره ... حتى يصير سمعه وبصره
فقلتُ بادئا بما البدء به ... نص الأجلاء على وجوبه
وهذا الكتاب لاقى شهرة كبيرة في الصحراء، ولعل أشهر مقاطعه قوله في باب النكاح:
في النُكح الاحكام فإن يخف زِنا ... والصوم لا يكفه تعيّنا
وحكمه الندب لمن لم يحتج ... إليه إن كان لنسل يرتجي
إن لم يخف من قطعه عن ما نُدب ... فاكره لغير راغب، لمن رغب
ندب، لمن لم يرجُ أو يرغب يحل ... وما يؤدي لمحرم حُظل
ويستحب كونها حسناء ... خَلقا وخُلقا عَفة عذراء
نسيبة خفيفة المهر ولم ... تقرب له جدا بدين تتسم
وكرهوا نكح الكتابيات ... وفرتنى أو لا تجوز هاتي
..
- مفتاح الظفر بشرح المختصر، شرح به مختصر الشيخ خليل.
- رحمة ربي وفرج كربي، وشرحها شكر النعمه بشرح الرحمه.
- إحكام المقال في أحكام السؤال.
- شرح على سلم القضاة.
- إزالة اللبس عن التنفل بالنجس.
- رسائل وأجوبة فقهية.

*في علم السلوك:
- نظم مطْهَرة القلوب من قتَرة الذنوب، ومقدمتها:
الحمد لله الذي بيّن ما ... للقلب من صقل وحِلي لزِما
صلى على محمد والآل ما ... كان إليه سُلّما وسلّما
ما نيرات درر التصوف ... في غيرها كدرة في صدف
وكسطور الضاد والظا ذهبا ... في جنب سطر بمداد كُتبا
هذا وقد رام لسان الحال ... أوان الأشغال والارتحال
مني كتابا في صلاح البال ... إذا بفضل الله في إسبال
فجئتُ في جوابه بنظم ... فصلٍ يفي بمُعظم الأهم
يدني البعيد لبطيء الفهم ... يغدو به الأمي غيرَ أمي
فقلتُ بادئا بقلب البدء ... إذ هو أشرف معاني البدء
..
- شرح على تصوف ابن عاشر.
*في الفضائل:
- نظم آداب المسجد، يقول في أوله:
الحمد لله الذي ذكر ما ... أعد للمعظمين الحُرَما
سمِّ وسلمنْ على النبي ... إذا دخلتَ مسجدا وحيّ
بركعتين أو رباع سبحل ... وحمدلن وكبرن وهلل
وقدم اليمنى وفتحَ أبواب ... الرحمة أسأل الكريم الوهاب
وإن خرجتَ منه أخرنها ... ورحمةٌ بفضل أبدلنها
..
- نظم أدبة الأدب في مأكل ومشرب، يقول في أولها:
الحمد لله الذي هدى إلى ... أدب ما أهدى إلينا من إلى
صلى وسلم على من تمما ... مكارم الأخلاق حتى قرما
وأسأل الله الكريم أن أبر ... نبيه في كل ما به أمر
كالأمر بالبلاغ عنه صادقا ... ومقرضا ربيَ قرضا رائقا
وحبِّ أحمدَ وقصِّ أثرِه ... ونصرِ دينه ونشرِ خبرِه
هذا ولما احتاج للقوت الورى ... وضعتُ للآداب فيه دفترا
أودعته مفتاح ظرف العدف ... وسترونه نقي الظرف
وهذا النظم شهير بين الناس، ومن أشهر مقاطعه:
واجتب ما النبي كان يجتبي ... في مأكل ومشرب إن تقأب
كالثفل والذراع والحلواء ... وبارد الكأس وكالدُّباء
وفي رسول الله أسوة فلم ... يمدح طعاما النبي ولم يذُم
والنفخُ فيه يُذهب النماء ... حسب ما به حديث جاء
مما يليك كل ودع ما لا يليك ... إلا إذا كان من اهلك الشريك
أو طيب القلب بذاك كانا ... أو كان ما اشتركتما ألوانا
ولك حيث كنتَ أنت المرغنا ... أو شركاؤك رضوا أن تقرنا
والأحسن الإيتار لكن من وحى ... لشُغُل فقرنه لن يقبحا
ومن شهير أبياته التي ما عادت متبعة!:
واتقّ ما حمي منه ما حمي، ... وأخذ لقمة وأخرى في الفم
- نظم محارم اللسان، يقول في أوله:
أحمد ربي والصلاة والسلام ... على محمد وآله الكرام
ما فاز ذو الصمت بطا النجاة ... وسبع آلاف من الخيرات
هذا ولما جاء في اللسان ... ما جا من الضرر بالإنسان
والسمعُ والبصرُ يشهدان ... وعنهما يُسأل كالجَنان
وأخبر الموصوف بالصدقين ... بفوز من وقي شر اثنين
ذكرتُ في الاثنين ما عساهُ ... يكون واقيا لمن قفاهُ
فقلتُ والله القديم الباقي ... بيده الأمور وهو الواقي
لكنه ربط بالمسببات ... أسبابها وحرم المحرمات
دونك فنًا من محارم اللسان ... لم يدره إلا فلان وفلان
وهو أوقع بذي البقاع ... من الرهان وخروج الساعي
تزيين ما الشارع قد شينه ... منها ومنها ذم ما زينه
لذا مسمي الحِرم باسم يوهم ... أن ليس حِرما آثم وآثم
آت بما يوهم منع الحل ... ومادح ظلم البُغاة العُدل
كذا حكاية مقال ناطق ... في جنب الانبيا بغير لائق
ما لم يسقه غرض شرعيّ ... له كأن يحذره غبيّ
ومنه أبيات شهيرة قلّ العمل بها في أيامنا كقوله:
وذكر ما بين الصحابة شجر ... إلا مبِينا أنهم على بصر
لحن القران والحديث حدرُ ... للف ألفاظهما يجرّ
شرحهما بالرأي أي بالعقل ... مجردا عن سند لنقل
وكقوله:
ومُخبر بغير ما تظننا ... ثبوته يجب أن يبينا
وكقوله، وللمحامين أن يسمعوه:
فالمرء إن جادل عن متهم ... بمبطل الدعوى أتى بمأثم
وسبُّه من سبَّه بأكثرا ... من عدوه أو بدمان مفترى
فالذنب بالآخَر لا يقابَل ... كما عن ابن العربي نقلوا
تذكير غضبان برب أو نبي ... إن كان لا يؤمن سوء الأدب
كذا الدعا بما لمعناه جهل ... أو طالبا ما شرعا أو عقلا حُظل
..
- الظفر بالمراد في البر بالآباء والأجداد، يقول في بدايته:
حمدا لمن قرن بالإيمان ... الإحسان للآباء في القرآن
وبالنعيم وعد الأبرارا ... ولم تكن عدته ضمارا
صلى وسلم على من قالا ... إنّ رضى إلهنا تعالى
والسخط منه جل مظروفان ... في المِثل من والديْ الإنسان
هذا ولما كان من دل على ... خير بحمد الله كاللذ فعلا
وأوجب البر على الأعيان ... بالجمع والسنة والقرآن
أردتُ أن أرشد بعض النبلا ... إذ عن حقيقة البرور سألا
فجئتُ في جوابه برجز ... وافٍ بمعظم المهم موجز
سميته "الظفر بالمراد ... في البر بالآباء والأجداد"
يا سائلا عن بر والديكا ... لبيك يا سائل معْ سعديكا
دونك تحرير الجواب نظما ... حي على البرور يا ابن أما
حقيقة البرور بالمقال ... والقلب والجسد والأموال
فالقول أن تقول قولا ليّنا ... حسب ما في الذكر جاء بيّنا
فانصحهما بالذل والوقار ... في شأن ذي الدار وتلك الدار
علمه ما احتاج له في الدين ... من فرض أو مندوب أو مسنون
ومنه قوله:
أما العقوق فمخالفة الاب ... فيما الخلاف فيه يوجب الغضب
وحيثما الخلاف لا يثير ... سخَطه فجرمه صغير
وهو من المحرمات الشائعه ... في بلْدنا ويا له من قارعه
..
- نظم في عيادة المريض يقول فيه:
عيادة المريض مما يجب ... بها ابتداء يطلب الأقارب
فإن تهاونوا بها فالصاحب ... فإن بها استخف فالأجانب
..
- نظم مأدبة الأنداب فيما للإنفاق من الآداب، وشرحها كشف الحجاب عن مأدبة الأنداب، يقول فيه:
حمدا لمن وعد أهل الأمر ... بالصدقات بعظيم الأجر
وفي كتابه العزيز قرنا ... بالشرك ترك بعضنا لحضنا
على المساكين وسا قرينا ... من كان الاشراك له قرينا
..
- آداب الضيافة.
- آداب طلب العلم.

- رسالة في تعليم الصبيان.

بعد هذا العرض الذي تناول بعض أعمال هذا العالم الجليل يمكن القول بثقة أنه كرس حياته لخدمة العلم ونشره بين الناس، وكانت أنظامه سلسة رنانة الكلمة مبسطة الأسلوب خالية من الحشو والتعقيد، وهو ما حباها هذه الشهرة الكبيرة وهذا القبول الواسع بين العلماء كما بين العامة.

وكان رحمه الله غاية في الإتباع، يكره كثرة التنقل والانهماك في رعي الماشية والميرة، لذلك كان أكثر سكنه مع أهل الآسكر (أي ملاك البقر)، ولما قال في بعض أنظامه:
علامة الولي عند العلما ... هجران ما الله تعالى حرما
وتركَ الانهماك في اللذات ... معَ المداومة في الطاعات
ذيّلها تلميذه محمد الخضر بن حبيب الله بقوله:
إن لم يكن محمدٌ مولودُ ... وليُّ شرعٍ فالولي مفقودُ
وكان يتسم بالشجاعة فلا يبالي بالظروف ويفتي بما ظهر له، وقد رد على أجلاء العلماء والقضاة ممن أدرك وممن قبله كالعلامة القاضي محنض باب بن اعبيد الديماني، والعلامة سيد عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي الذي خالفه في مسألة تغير الغُدر في البادية بسبب الحيوانات، وفي ذلك يقول:
ردُّ الأجلاء على الأجلا ... من الأبين والشيوخ دلا
مع قبول كل واحد نبِه ... له على جوازه أو طلبه
رد على مالك ابن القاسم ... وابن ابن عاصم على ابن عاصم
وابن ابن مالك على ابن مالكْ ... ولم يعب صاحب نقل ذلك
كذا الرهوني على رسوخه ... قد أكثر الرد على شيوخه
وذاك عندي أن حق الحق ... مقدم على حقوق الخلق
وقد رفض ممارسة القضاء لصالح إمارة الترارزه تورعا رغم أنه كان الأجدر بها في زمنه.
توفي سنة 1905م ودفن عند بلدة العرش من أعمال المذرذره:
وعام 'باكَ' صار في انسفال ... إذ مات فيه نجل أحمد فال
محمد مولود أعني الموسوي ... من كان ذا فضل وعلم مولوي
وكان يسقي البرد كل ظامي ... من الشروح ومن الأنظام
ومن فوائد لها لم يسبق ... معتزلا بالله ذو تعلق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق