الأحد، 2 ديسمبر 2012

ستة أسئلة من مسلمين بريطانيين موجهة إلى التجانيين الموريتانيين

طرح مسلمون بريطانيون قبل فترة من الآن ستة أسئلة على التجانيين في موريتانيا تناولت أمورا بينها رؤية سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه للرسول الأمي – عليه الصلاة والسلام واتصال سلسلة سيدي أحمد التجاني إلى الرسول الكريم مباشرة وزيارة التجانيين لأولياء غير تجانيين.

كما تناولت الأسئلة المهدي المنتظر رضي الله عنه والمعتقدات الشائعة في فلسطين بخصوص أن الإمام المهدي هو تجاني حي الآن.
 وقد تولى الإجابة عن هذه الأسئلة فضيلة الشيخ محمد عبد الله بن السيد العلوي وهو مقدم الطريقة وفارس الفيضة التجانية المنافح عنها بشعره ونثره وحجته

البالغة متعنا الله بحياته وأبقاه ذخرا للأمة وللشريعة والطريقة والحقيقة.

وهذا نص الأسئلة والأجوبة نقدمها للفائدة :

"بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم الهادي وعلى آله

ستة أسئلة من مسلمين بريطانيين موجهة إلى التجانيين الموريتانيين،وقد أجاب عنها العلامة الشيخ محمد عبد الله بن السيد العلوي التجاني.
وهذا نص الأسئلة:

أولا: ما هي رؤية سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه للرسول الأمي – عليه الصلاة والسلام؟ وكيف تمتد سلسلة سيدي أحمد التجاني إلى الرسول الكريم مباشرة؟
ثانيا: هل صحيح أن التجانيين لا يزورون أشياخا أو أولياء غير تجانيين؟
ثالثا: ماذا عن المهدي المنتظر رضي الله عنه؟
رابعا: من المعتقدات الشائعة في فلسطين أن الإمام المهدي هو تجاني حي الآن في المدينة، زار فاس بالمغرب، ماذا يقول كبراء وعلماء التجانيين في موريتانيا عن هذا المعتقد؟
خامسا: لماذا مريد التجانية لا يسمح له بتركها؟
سادسا وأخيرا: هل يسمح لمريد التجانية المشاركة في حلقات الذكر التي تنظمها طرق أخرى؟

تمت الأسئلة وهذا نص الأجوبة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرم من أحب بالتوفيق، وخصهم بحسن الظن والصدق والتصديق،ثم قادهم بذلك إلى التنعم في جنان الإيمان، وتبوء الدرجات العلى من فراديس الإحسان، وابتلى أعداءه بالتكذيب والظن السيئ، ثم ألقاهم بهما في دركات الشقاء والخيبة والخسران.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير من قاد إلى الله وأرشد، وأكمل من ركع لربه وسجد، وبلغ ونصح وبين ما نزل ونقص ولا أود، نور كل خير وفوز ورشد، وباب الحق والهدى من الأزل إلى الأبد سعادة الأمة ورحمة العالمين . من جاء بالحق وصدق المرسلين، القائل مخبرا عن ربه: قال الله تعالى:(من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب).والقائل :(يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم يتصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا في الله، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها. يفزع الناس فلا يفزعون. وهم أولياء الله (الذين لا يخافون عليهم ولا هم يحزنون)
وبعد:
فإن الطريقة التجانية المشيدة بالكتاب والسنة لترحب كاملة السرور بأي سؤال ناشئ عن أي استشكال حول أي شيء ورد فيها متنا أو سندا، شريطة أن يكون مجردا لطلب ثبوت أو بيان حكم أو معنى، خاليا من التعصب والتحدس والمراء الذي لا يستفاد منه إلا تضييع الوقت وتسويد الصحف، وأن يكون صاحبه يفهم مدلول الاحتجاج إثباتا أو نفيا ، ويصدق العلماء المعترف بهم عالميا، علما ودينا، ويفرق بين ما يبيحه الشرع لضرورة تزكية النفس وإصلاح القلب، وما يمنعه بتاتا، ويعلم أن الخير كل الخير تحت إشارة الشارع صلى الله عليه وسلم، والاعتراف التام بقدرة الله وبفضله.
وفي نطاق صفاء النية، وحسن الظن بعباد الله، فإننا نجيب بإيجاز – إن شاء الله - حسب معلوماتنا القاصرة على هذه الأسئلة الستة التالية. الواردة من طرف إخواننا المسلمين البريطانيين حسب مضمون السؤال والله الموفق.
السؤال الأول:
ما هي رؤية سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه للرسول الأمي –عليه الصلاة والسلام؟وكيف تمتد سلسلة سيدي أحمد التجاني إلى الرسول الكريم مباشرة؟
الجواب:
إن من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في إخباراته المتعددة فيما يؤيد ما سيأتي ويمهد له، سيما ما أخبر عنه من ملاقاته للأنبياء ليلة الإسراء عند بيت المقدس، وصلاته فيه، وترحيب كل واحد منهم به بعد ذلك بوقت وجيز في كل سماء من السماوات السبع المعلوم تباعدهن، وتوجيه سيدنا موسى له في السماء السادسة ليطلب من ربه التخفيف عن أمته فيما فرض من الصلاة وتردده بينه وبين ربه خمس مرات على الأقل، ورجوعه من سدرة المنتهى إلى بيت المقدس وصلاته بالأنبياء هنالك، ورجوعه منه إلى مكة ومروره بالعيرين إحداهما ذهابا والأخرى في الإياب، وإخباره بتفصيل عنهما على الرغم من سرعة مركبه، ثم رفع بيت المقدس بأكمله له من الشام مسافة شهر، حتى جعل له دون دار ابن عمه عقيل، بإزاء الحرم ينعته مباشرة وهو جالس في الحجر، هذا مع ما شاهد من عجائب الملكوت في تلك الليلة في السماوات وفوقها وعند سدرة المنتهى ومن فرق الملائكة على كثرتهم وكثرة هيئاتهم وتنوعها، والجنة والنار وأهلهما، ونوعية سكانهما، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، وتأنيه مع كل شيء من ذلك بعينه حتى يسأل عنه ويجاب.
وهذا كله في ظرف ليلة واحدة مضى عليه صلى الله عليه وسلم أولها بائتا في بيت بنت عمه في مكة، أضف إلى ذلك مما يشغل البال- لولا أنه صلى الله عليه وسلم – عرض عمل كل إنسان من أمته عليه في البرزخ، وحمده لربه على عمل كل محسن منهم،واستغفاره هو صلى الله عليه وسلم لمسيئهم وتبليغه سلام كل من سلم عليه، ورده عليه كما في الحديث الشريف مع كثرتهم، ومع اشتغاله هو صلى الله عليه وسلم عن الخلق بالحق في نفس الوقت، لما تطلب منه حضرة ربه من الحضور الكلي معها والاستغراق فيها، وقطع النظر بالكل وبالكلية قلبا وقالبا عما سوى مولاه جل وعلا.
أقول:
من صدق هذا – لا مجال لتكذيبه من مسلم - علم أن للقدرة الإلهية تصرفات لا مطمع في استقصاء كيفيتها للعقل البشري القاصر على النخاع والأعصاب، وعلم أن لا مانع للمصطفى صلى الله عليه وسلم أن يتراءى عيانا بكيفية أو بأخرى لولي من أولياء الله نشأ منقطعا لوجهه الكريم مكرسا حركاته وسكناته لما يقربه إليه سبحانه وتعالى رافضا الركون إلى ما سواه، كمثل شيخنا التجاني رضي الله عنه المعلومة أحواله مع ربه من نشأته إلى مماته، فلا حاجر إذن على الله أن يتفضل عليه بكرامة من أعظم كراماته الواسعة التي ربما تأتي مفاجئة، وربما تأتي من الفضل بما هو وراء طور العقل، وهو سبحانه على كل شيء قدير.
مع أن هذه الكرامة العظمى والنعمة التي لا مثيل لها وهي الرؤية المصطفوية عيانا، قد أجازها وأثبتها في كتبهم العلماء الأوفياء المبرزون، الذين لا يشق لهم غبار في العلم ولا تأخذهم في الدين لومة لائم، ولو لم نذكر من بينهم على سبيل المثال سوى ابن العربي وابن أبي جمرة المالكيين، وجلال الدين السيوطي والحافظ بن حجر الشافعيين، لكفى لقطع حجة المعارض.
كما ادعى هذه الكرامة لنفسه وأثبتها بأحواله المرضية وسلمها له الأكثرون قبل شيخنا التجاني كثير وكثير من الأولياء ومن المحدثين الذين جمعوا بين العلم الظاهر والعلم الباطن، والمتفانين في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والمادحين له بإخلاص، وهم أكثر من أن يتناولهم الحصر، ولو لم تثبت هذه الرؤية العيانية إلا لإبراهيم المبتولي وأبي السعود بن أبي العشائر والشيخ أبي الحسن الشاذلي، والشيخ موسى الزولي، عبد الرحيم القنوي، والشيخ أبي مدين، ومحمد بن زين المادح والشيخ أبي العباس المرسي، وسيدي علي بن وفا، وحجة الإسلام المحدث السيوطي، والشيخ خليفة النهرملكي، وعبد الكريم الجيلي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ محيي الدين بن عربي الحاتمي، ومحمد بن أبي الحمائل، لكفى ذلك وزاد، لكن هؤلاء قليل من كثير، وحججهم أقوى من أن تتعرض لطعن ممن يعتبر له قول.
كان بعضهم يصحح عليه الأحاديث، وبعضهم يستشيره في أموره، وبعضهم يشير إليه هو صلى الله عليه وسلم. ومنهم من تعددت رؤيتهم له حتى زادت على سبعين كالإمام السيوطي الذي اعتذر عن التوسط إلى السلطة بذلك، وبين أنه يحتاج إلى ملاقاته صلى الله عليه وسلم الذي يراه مشافهة، ولما حج كلمه من القبر حتى وقعت قصته المشهورة في أمر الشفاعة لشخص عند الحاكم فاحتجب صلى الله عليه وسلم عنه، بعد أن صرح له بأن سبب الاحتجاب مخالطته للظلمة.
فإذا تمهد عندك ذلك علمت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم – وهو أخص الأنبياء وأعظمهم وأفضلهم إجماعا، وأشدهم تمكنا وأكثرهم معجزات وأبقاها أبدا- يمكنه الالتقاء كل زمن بمن أحب صلى الله عليه وسلم أن يقوده إلى الله قيادة خاصة، ويرقيه بقدرة الله وتقديره إلى مقام أعلى، بقنوات من أخص القربات التي حث عليها في نطاق شريعته المطهرة لا غير،وعلمت أن للأولياء مقامات متفاوتة يهيئها الله لمن شاء كيف شاء متى شاء، تقديرها قبل القبلية، ومداها بعد البعدية.
فإذا علمت هذا، فاعلم أن شيخنا التجاني رضي الله عنه وهو الشريف الحسني نسبا المبرز في العلم وفي الدين ، المعروف بالورع والانقطاع إلى الله، بعد أن جال في الكمل من أولياء زمانه وقواد التربية في عصره أواخر القرن الثاني الهجري بعد الألف وكلهم أجازه بما عنده وبشره بعلو مقامه ورفع شأنه في المستقبل على طريق المكاشفة ولم يطمئن شيخنا لما حصل عليه وإن كثر وعظم لأن علو المقام يراوده ويحدو به إلى ما هو أعلى وأكمل وأهم، وقد كان رضي الله عنه ربما يرى في مرائيه المنامية برسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرات بإدراكه للقطبانية العظمى، أو ما وراء ذلك من مطالبه التي لا يعلمها إلا من هيأها له أزلا، ورفع همته إليها ومنعه من الاستقرار دون الحصول عليها ... فبينما هو كذلك إذ تعرف له سيد الوجود وعلم الشهود صلى الله عليه وسلم يقظة جهارا، وباسطه وبشره وصرح له أنه مربيه حقيقة، وأن لا منة عليه لأحد حتى يصل إلى مقامه الذي وعد به من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس.
وقد كان من سابق أمره رضي الله عنه أنه ربما تحفظ من بعض الأسرار المشروط فيها خوفا أن ينقض العهد، كما صرح بذلك مع سيدي أحمد بن عبد الله الهندي بمكة المكرمة. ولذا كان من بعض أجوبته رضي الله عنه لمن سأله عن سنده قوله رضي الله عنه (وأما عن سند طريقتنا، فإنا أخذنا عن مشايخ عدة رضي الله عنهم ولم يقض الله منهم بتحصيل المقصود. وأما سندنا وأستاذنا فهو سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، قد قضى الله بوصولنا وفتحنا على يديه ليس لغيره فينا تصرف).
وقد أعطى المصطفى صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما لشيخنا هذا الورد تدريجيا :

أولا: عين له - سنة -ست وتسعين ومائة بعد الألف- الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان رأس المائة أكمل له الورد بكلمة الإخلاص.
وعند ذلك تنزل رضي الله عنه بأمر من المصطفى صلى الله عليه وسلم لملاقاة الخلق وإفادتهم بطريقته وتربية الناس بها، لأنه كان قبل ذلك منفردا بنفسه لله مقتصرا بما يجمع من عند الله على نفسه.
هذا واعلم أنه لم تقتصر رؤيته رضي الله عنه العيانية للمصطفى صلى الله عليه وسلم على هذه وحدها فحسب بل عاش بعد ذلك مدة من عمره يراه دائما، ويوجهه ويرشده ويبشره،ويضمن له ولأصحابه ويرسل له البشائر لبعض خاصيته وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وقد اختصر الجواب شيخنا ومربينا شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم الكولخي رضي الله عنه في هذه الرؤيا قطعا للسان المماري وإعراضا عن الجاهل بقولته البليغة (من أنكر رؤية النبي عيانا علمنا أنه ليس من أهلها فقط)
ولعل السبب في اختصار شيخنا في هذا الجواب أن المعارض لا يخلو من أن يكون جاهلا أو يكون عالما، فالجاهل لا يسوغ أن ينكر شيئا لجهله، ولا ينبغي جوابه لأنه لن يفهم ولن يرتدع، والعالم لا ينبغي أن يتعرض لما قرر العلماء المعتبرون قبله إلا بعلم أوسع من علمهم وحجة أوضح من حججهم ودليل أقوى من أدلتهم وهذا كله معدوم هنا. لا أعني من اختلق حجة من محض رأيه بإملاء من هواه يعارض بها القياس الجلي، وينفي بها الثبوت المتواتر في أكثر الأعصار والأماكن.

السؤال الثاني:
هل صحيح أن التجانيين لا يزورون أشياخا أو أولياء غير تجانيين؟
الجواب والله أعلم:

نعم، من شروط الطريقة التجانية التي جاءنا بها شيخنا التجاني رضي الله عنه عن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم – ولا تعطى الطريقة لأحد  إلا بعد أن يتحملها - عدم زيارة ولي غير تجاني، حيا كان أو ميتا، سوى أصحاب النبي صلى الله عيه وسلم وهذا مع إعطاء كل ذي حق حقه من بر الوالدين في المعروف وصلة رحم ومن إنفاق، ومن عون أيا كان نوعه، ومع احترام جميع الأولياء من طرقيين وغيرهم، وتصديقهم جميعا فيما لم يخالف الشرع، وتعظيمهم وإطلاق الإذن في مواصلتهم إن دعت حاجة إلى ذلك.
أما زيارتهم لأجل الانتفاع بمراتبهم، فهم ليس لهم نفع بذلك فتتطلبها حقوقهم والطريقة تشترط عدمها، والسر في هذا الشرط أدرى به مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وضع الطريقة هكذا، وبهذه الشروط.
وربما رأى من لا بد من تعليل والله ورسوله أعلم: أن المراد من أخذ الطرق ذوات الإمداد هو السير بالقلب الروحي إلى الله، وربما أن السائر المجد ببدنه يفسد عليه الالتفات ولا يستقيم سيره الحثيث في مسلكين، فسير القلب أحرى وأهم وأخطر.
ومن أحرم مقتديا بإمام وجب عليه قطع النظر عن غيره نية وفعلا حتى السلام فتفهم وقس على ذلك، والطريقة التجانية بما أن المربي فيها حقيقة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وهو منظمها، فلقوة مدده أن يعتنقها المريد بصدق وإخلاص يشرع قلبه حالا في السير الجاد إلى الله، وإلى التوحيد الأمحض القاضي بشهود كمال الإحاطة، واستحالة الأين والكيف، فإذا قطع المريد بعض المسافة المعنوية التي كانت تحول بينه وبين مراده، ثم التفت بأي تعلق أجنبي عن مسلك دائرته التي يسير بعجلاتها التربوية، وبهمة المربي فيها،فلا جرم أن يتعرقل سيره هناك، أو أن يعثر ولا ينتفع بما هنا لالتفات قلبه عن الباب الذي رزقه الله منه، ولتفاوت الدائرتين الغيبيتين وتذبذب القصد، إن لم يكن ذا قلبين، قال تعالى"ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" (الأحزاب الآية 04) .
وهذا التعليل وحده يكفي مع أن كل شرط أصلا لم يصطدم بالشرع لا ينبغي أن يتعرض عليه إلا من تمهر في الميدان، وتطود في مقامات الإيمان والإحسان وأحاط بمدخل الشرط ودوره ما ينشأ عنه من إيجاب أو سلب، لأنه أولا مباح في ذاته ولا يتنافى مع مقصود ، وإذن فلعل في وضعه سرا يعلمه واضعه، سيما إن كان واضعه سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، واعلم أيضا أن هذا  الشرط  لم يكن خاصا بالطريقة التجانية وحدها، بل كل طريقة ذات مدد روحي أراد مريدها الوصول إلى الله يفسد عليه التعلق بغيرها، لما ينشأ عن ذلك من تذبذب القلب وتشتت الخاطر، وعدم جمعه على إمام واحد وقبلة واحدة قال تعالى:"ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون" (الزمر الآية 28)
أما الطرق المقصورة والهمم القاصرة على السلوك المجازي والتبرك والأجور – وهي كثيرة ونِعِمَّا هي- فالأمر فيها واسع ودين الله يسر ولم يكن عطاؤه سبحانه وتعالى بالمحظور.

السؤال الثالث:
ماذا عن المهدي المنتظر رضي الله عنه؟
الجواب:
المهدي نؤمن بخبره، ونقطع بقدومه لتصحيح بعض الأحاديث الواردة به وتحسين بعضها من طرف أهل الحديث، ولكن الأخبار عمن هو، وما هي الكيفية وكم يمكث في الأرض إن قدم،  فإنها متعارضة جدا وكثيرة، والأقوى عندنا منها ما لخصه من خبره أبو الحسن محمد ابن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السحري بقوله كما أورده عنه صاحب الحاوي، وهو: " قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، بمجيء المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه سيملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة " .هـ فهذا الكلام هو أقوى ما سمعنا من خبره ملخصا. ومن أحسن ما سمعنا في التوفيق بين الأحاديث الكثيرة الواردة في خبر المهدي وكيفية مجيئه وبين حديث (ولا مهدي إلا عيسى بن مريم). إن صح هذا الحديث، هو ما قاله القرطبي حيث قال: " ويحتمل أن يكون قوله عليه السلام:(ولا مهدي إلا عيسى) أن لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى"، ثم قال: وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض.
وقال ابن كثير: " هذا الحديث فيما يظهر ببادئ الرأي المخالف للأحاديث الواردة، في إثبات مهدي غير عيسى بن مريم وعند التأمل لا ينافيها، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى، ولا ينافي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا". هـ
وهذا التوفيق المذكور بين الأحاديث قد يظهر من الإمام السيوطي ارتضاؤه حيث ختم به كلامه في المهدي بعد جمعه وسرده للأحاديث وروايات الآثار الأربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم الواردة في المهدي، وبعد زيادته هو بما فات أبا نعيم في الموضوع. ومن كتابه نقلت والله أعلم.
وأما عن قدومه فلم نر فيه تحديدا بالضبط. والتجانيون من طبعهم التحري والتحفظ من أن يقولوا في مثل هذا النوع من الأمور إلا ما ظهر لهم أنه أصح، أو يعملوا إلا بما هو أحوط.
وحيث أن المهدي لم يترتب عليه قبل قدومه إلا التصديق به وانتظاره، فنحن مصدقون ومنتظرون، ولنشتغل بالراهن الآن من أمور الدين، حتى يأتي إن شاء الله فنحن منه وهو منا.

السؤال الرابع:
من المعتقدات الشائعة في فلسطين أن الإمام المهدي هو تجاني حي الآن في المدينة، زار فاس بالمغرب، ماذا يقول كبراء وعلماء التجانيين في موريتانيا عن هذا المعتقد؟
الجواب:
التجانيون في موريتانيا من علماء وغيرهم إلى الآن، لم يعاينوا المهدي ولم يروا ما يدل عندهم عليه من أماراته التي منها: العدل بين عباد الله بكافة أنواعه وتقويم كافة الدين وتقوية أهل الحق، وكبح الباطل وأهله، وعموم الخصب في الأرض وحلول البركة الشاملة في البلاد، وقناعة القلوب، والتفاني في إعلاء الحق.
أما عن تجانيته فإن عندنا في نقول يوثق بها، من علماء يوثق بهم ديانة ودراية أن شيخنا التجاني قال إنه بعد مماته وانتقاله إلى دار البقاء رضي الله عنه إذا قام مهدي آخر الزمان يأخذ الطريقة التجانية، ويدخل في زمرتها، ومرة سأل سائل بحضرته هل الإمام المهدي إذا جاء يصيبهم بشر؟ فقال هو رضي الله عنه: لا، فإنه أخ لكم في الطريقة.
وقال مرة أخرى: إذا جاء المنتظر يطلب من أصحابنا الفاتحة. هـ
فهذا ما صح لنا عن طريق التواتر عن شيخنا التجاني، ونتحقق أنه لا يقول في أمر أبدا إلا ما صح عنده، إما إخبارا من سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وإما عن طريق المكاشفة الصحيحة، وليس هذا من أمور الغيب المحظورة علما على غير الخالق سبحانه.

السؤال الخامس:

 لماذا مريد التجانية لا يسمح له بتركها؟

الجواب: لأمرين، أحدهما شرعي بحت لا تعليل فيه، والثاني للمحافظة على النفس نفعا وضرا.

الأول: لأنه عقد عهدا مع الله يجب عليه الوفاء به فهو التزام من مسلم بالغ غير مجنون ولا مجبر لقربة لله ممكنة الأداء، لم يقع تعليق في التزامها ولا شرط ، فبأي وجه إذا يجوز التخلي عن هذا النوع من العقود بعد التزامه؟ ومعلوم أن الطريقة التجانية ليست مثل الطرق التي لصاحبها استصحاب الخيار بعد الأخذ، بل هي من شروطها الأساسية أنها لا تعطى أبدا إلا لمن التزمها مدة حياته من غير سابقة من الطرق معها ولا لاحقة. وقد أمر الله سبحانه وتعالى أمرا جازما بالوفاء بالعهد، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" وقال تعالى: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم"، وقال: "وبعهد الله أوفوا"، وقال: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا".

فمن نكث عهده مع الله بعدما التزم عددا هائلا معينا كما ووقتا، من أخص القربات إلى الله فليستعد للحور بعد الكور المستعاذ منه.

وليعلم أن نكثه لهذا العهد ليس على الطريقة ولا مع شيخنا التجاني فشيخنا التجاني مجرد مبلغ له فقط وشاهد عليه، والناكث إنما نكث على نفسه ومع الله، قال تعالى: "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما".

الثاني: أنه قد أوقع نفسه فيما أوقعها فيه من خيبة الرجاء وخلف الوعد، حيث التزم لها أن يستغفر لها الله كل يوم وليلة مائتي مرة وثلاثين مرة على الأقل في الأوقات المخصوصة بالفضل، علَّ الله أن يغفر لها قبل يوم الحساب أو يخفف مما ستجد أمامها "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما علمت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا".

ونقض العهد مع الشفيع في ذلك اليوم الرهيب ، إذ كان  قد التزم له أن يصلي عليه كل يوم وليلة مائتين وسبعين مرة أو مائتين واثنتين وستين مرة على الأقل. ونقض العهد مع الملك الديان إذ كان قد التزم له بين يديه أن يوحده بأعظم كلمة للتوحيد وأفضلها وأشملها في كل أسبوع ثلاثة آلاف مرة وسبعمائة مرة، أو ثلاثة آلاف مرة ومائة مرة على الأقل.

وأساء إلى الملائكة الذين كانوا يستبشرون بكتابة هذه الأذكار ويتنعمون بسماعها وحمل تلك الصحف النورانية العظيمة عند الله ورسوله، ويتلذذون بتوحيد ربهم والتضرع إليه من عبده الذي خلقه من قبل ولم يك شيئا، والحفظة منهم كانوا شهودا على تحمله، وأصبحوا شهودا على رفضه "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون".

وأيضا فكأنه رضي لنفسه بنوع من سوء الخاتمة حاضر ومعقول، فلحياة الإنسان خاتمة ولإيمانه خاتمة ولعمله خاتمة رزقنا الله حسن الجميع، وقد قالوا إن لسوء الخاتمة مراتب عدوا منها من يومه أسوأ من أمسه.

 وما رأيك في من كان أمس يتقرب إلى الله بالتزام وتأدية هذه الأعداد الهائلة من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا إله إلا الله ثم تركها ونكص على عقبيه؟

السؤال السادس:

هل يسمح للمريد التجاني المشاركة في حلقات الذكر التي تنظمها طرق أخرى؟

الجواب:

إذا كانت هذه الحلق من غير الأوراد اللازمة لتلك الطرق فنعم؟ وإلا فأي ورد من لوازم طريقة أخرى فهو غير مسموح به للتجانيين  أيا كان نوعه، وحلق الذكر الخالية من ذلك كثيرة ومستحبة، والحث عليها معلوم والترغيب فيها، وقد يجتمع فيها التجانيون وغيرهم فهي لسائر المسلمين سواء كانت قرآنا أو صلاة أو دعاءا أو توحيدا أو تسبيحا أو تهليلا أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو حجا بلا قيد ولا شرط.

واعلم أن كل عمل لله يعد ذكرا لله وصاحبه مستمر في ذكر الله مادام متلبسا في ذلك العمل لله، فالصائم ذاكر لله لو لم يذكر الله ما صام لله، والمصلي كذلك ذاكر لله مادام في صلاته، والمتصدق لوجه الله ذاكر لله ومن سأل الله فهو ذاكر لله والحاج في حجه ذاكر لله.

وترى التجانيين دائما مع أشقائهم المسلمين حلقا وصفوفا المنكب بالمنكب والساق بالساق ،وهكذا دواليك جميع أهل الطرق فيما بينهم، ومع جميع أشقائهم المخلصين في لا إله إلا الله ولوازمها، لا فرق بينهم في التماسك في الدين والتواصل فيه والتعاون عليه والاجتماع  لأجل نصرته وتعظيم أبهته.

ولكن ينبغي أن تعرف الفرق بين طوائف المسلمين حقا، القائمين نيات وأعمالا بمقتضى قوله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"، وبين باعة الدين الذين تاجروا به مع الكنيسة وأصابعها الممددة في الأسواق والمؤسسات المتنوعة، وحتى في المساجد رغم أنوف عمارها الخاشعين لله، فلبسوا بتوجيه فاتكاني دقيق لخداع الإسلام ألبسة الإسلام، وغزو التوحيد بعقيدة التجسيم يحتجون لها بالمتشابه ليصدق عليهم قوله تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء  تأويله وما يعلم تأويله إلا الله".

ويتعرضون لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" أخرجه البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها فهم يتظاهرون للبله من المسلمين -ليغروهم- بكثرة الصلاة والتلاوة بألسنتهم تصديقا لنعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله: "سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول الناس، يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة" أخرجه الشيخان.

ويؤيدهم من مراء الكواليس بعض حملة النصوص الذين يسمون أنفسهم بفقهاء الوقت الخاربة قلوبهم –فيما يظهر- إلا من محبة المادة والتملق للسلطة وأهل الثروة ليتضح أمرهم كمشيئيهم من خلال قوله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ولا من الإسلام إلا اسمه يتسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود" أخرجه الحاكم من حديث ابن عمر مرفوعا

انتهت الأسئلة والذي أردنا ذكره هنا من الأجوبة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق