الأحد، 12 سبتمبر 2021

 

الشيخ الهادي بن سيدي مولود فال ونشره 


للفيضة التجانية في نيجريا وما جاورها

 زخرت كتب ومؤلفات علماء ومشايخ الطريقة في نيجريا والنيجر بالتنويه بالدور الدعوي الكبير الذي أداه الشيخ الهادي بن سيدي مولود فال في غرب القارة الإفريقية حتى أنه كان يلقب ب "فاتح أرض هوصا" وقد توسل أكابرهم بالشيخ الهادي لتحقيق مطالبهم الدنيوية والأخروية.

يقول الأستاذ يعقوب أبو بكر غرب الغاني في الباب الخامس من كتابه "إتحاف الإخوان بمآثر غوث الزمان"، مؤرخا لدخول الفيضة التجانية إلى نيجيريا والدول المجاورة لها، بعد استعراض لإرهاصات دخول الفيضة إلى نيجريا: [1]ثم في العام الثاني من مسير هؤلاء السادة إلى كولخ (يعني الشيخ أحمد التجاني عثمان الكنوي والشيخ محمد الثاني بن الحسن الكافنغي الكنوي)، ورد الشيخ محمد الهادي الموريتاني (أحد خلفاء الشيخ إبراهيم في موريتانيا) إلى نيجريا، وهو في طريقه إلى الحرمين لأداء فريضة الحج حاملا معه رسالة من الشيخ إبراهيم رضي الله عنه، إلى أمير كنو الحاج عبد الله بايرو، ولم يتصل به من علماء كنو عندئذ إلا السيد الطاهر المغراوي المعروف بالماهر والسيد أبوبكر (نوالي) الذي أنزله الأمير عنده.

ثم واصل الشيخ الهادي سفره إلى الحرمين وعندما رجع اتصل به الشيخ محمد بلو المعروف الآن (بمالم بلو نشيخ الهادي) ولازمه حتى أدخله في التربية، هو والسيد الطاهر الدمغراوي وواحد آخر يدعى الحاج محمد طن بتا.

ثم اندفع كبار علماء كنو إلى منزل الشيخ الهادي ليسلكهم في التربية وهذا مبدأ دخول التربية التجانية إلى نيجيريا.

وقد أخبر الشيخ الهادي أن من كرامات الشيخ إبراهيم وعلامة كشفه الصريح أنه لما أراد أن يحج (أي الشيخ الهادي) ذهب إلى الشيخ إبراهيم ليستأذنه، فقال له الشيخ: من جملة ما أوصاه به، "إن لك في الطريق إخوانا خذ بأيديهم".

ومهما يكن من أمر فإن الشيخ عبد الله بن المعلم محمد سلغ، والشيخ أبابكر عتيق، والحاج الشيخ ميهولا، والسيد محمد الخامس بن شعيب، وأخاه السيد محمد العاشر، والسيد عمر الفاروق بن الشيخ عبد الله سلغ والحاج عبد الرحمن أوبارنغم، والحاج أبوبكر الملقب "نوالي"، ثم الأسرة الحافظة لكتاب الله الحاج رابع وابنه الكبير الحاج إسحاق رابع، هؤلاء كلهم كانوا في الدفعة الأولى الذين سلكوا في التربية عندئذ على يد الشيخ الهادي رضي الله عنه.

ثم قفل الشيخ الهادي راجعا إلى وطنه، فمر في طريقة بمدينة زاريا واتصل هناك بكبار فقهائها مثل المعلم مأجي إسحاق والمعلم يهوذا ومن إليهما.

وعندما وصل إلى كولخ وقدم للشيخ إبراهيم قائمة كبيرة تحتوي على آلاف من أسماء المريدين، بعضهم جدد الطريقة وبعضهم انخرط في سلك التربية، امره الشيخ بالرجوع ثانية إلى نيجريا لأن هذه الجماعة الكبيرة المتزايدة من المريدين والأتباع لا ينبغي أن يتركوا دون مرشد قائم بأمرهم، فمن ثم جعل الشيخ الهادي رضي الله عنه يتردد على نيجريا كل سنة قرابة عشرين حجة كما كان يمر في كل حجة بالبلاد المجاورة لها مثل غانه والتوغو ونيجر.

وقد بذل رضي الله عنه جهودا لا يستهان بها في هذه البلاد في إدخال ألوف إلى الطريقة وتربيتهم في الحقيقة فضلا عن الألوف الذين اعتنقوا الإسلام على يديه.

ومما يدل على اجتهاد الشيخ الهادي في الدين والطريقة أن مولانا الشيخ إبراهيم نياس رضي الله عنه كتب ذات مرة إلى الشيخ محمد غبريم الداغري رضي الله عنه رسالة بخط يده الشريفة مضمونها أنه ليس له نائب في أمر التربية والطريقة وما إلى ذلك في نيجريا سوى الشيخ محمد الهادي وحده، وكلما من أتى من كولخ إنما أتى لحاجة في نفسه فقط.

وعلى أية حال، فعندما رجع الشيخ الهادي هذه المرة وجد أن الشيخ ماجي إسحاق الفقيه الزكزكي المشهور قد توفي إلى رحمة الله فنصح الشيخ يهوذا بالدخول في التربية فقبل النصيحة ورحل إلى كولخ وتربى هناك على يد الشيخ إبراهيم رضي الله عنه.

وعلى هذه الصورة فشا أمر التربية في نيجريا وما جاورها من البلدان بشكل عجيب لأن كل فقيه كبير أو متوسط تربى في كولخ أو على يد الشيخ الهادي هنا في نيجريا يؤذن له هو الآخر في الأخذ بيد تلامذته القادمين إليه من القرى المجاورة".

وقد أورد الباحث النيجري تجاني زبير محمد الرابع في تحقيقه لكتاب "جمع المنافع على قراءة الإمام نافع" وهو من تأليف جده الشيخ محمد الرابع بن يونس[2] والد رجل الأعمال المشهور إسحاق رابع [3]أن الشيخ الهادي كان شيخ السيد محمد رابع في الطريقة.

يقول في الصفحة 43[4] من الكتاب المذكور:

" من شيوخ السيد محمد رابع الشيخ محمد الهادي وهو من كبار أصحاب الشيخ إبراهيم، وقد قال عنه الشيخ محمد الرابع:

كذاك عن واسطتي إليه : محمد الهادي ولا عليه

إلى أن يقول:

وقد نظم الشيخ محمد الرابع قصيدة تسلية للشيخ الهادي من 44 بيتا تضامن فيها معه في حادثة إنكار على الفيضة أشعلها بعض الجهلة في ضواحي مدينة، وقد خمدت سريعا وتحول مشعلوها إلى مريدين للشيخ الهادي وتابوا مما فعلوه وقالوه.

وذكر الباحث النيجري تجاني زبير محمد الرابع في تحقيقه لكتاب "جمع المنافع على قراءة الإمام نافع"، "أن الشيخ محمد الرابع نظم قصيدة مدح ووداع للشيخ الهادي، وهذا نص ما كتبه الباحث في الصفحة 51 من الكتاب في سرده لمؤلفات الشيخ محمد الرابع: " منائح التشييع فيما جرى للشيخ الكامل الرفيع"، وهي قصيدة في 58 بيتا ولباعث لنظمها هو بيان ما جرى في تشييعهم للشيخ الهادي في أول زيارته لمدينة كنو حيث نزل عند الحاج باب نبيغ ومكث عنده 61 يوما وعندما أراد المغادرة شيعه كثير من العلماء والأتباع وعلى رأسهم الشيخ عبد الله سلغ ومن ضمنهم الشيخ محمد الرابع.

ومن أمثلة ذلك ما ورد في كتاب "الشيخ أبوبكر عتيق[5] وديوانه: هدية الأحباب والخلان في مدح سيد الأكوان وابنه القطب التجاني "[6].

فقد تربى الشيخ أبوبكر عتيق على يد الشيخ الهادي وتلقى عنه أسرار الطريقة وعلوم الفيضة، وهو ما يتضح جليا في ديوانه المذكور، حيث نظم قصيدة رجزية سماها "أسباب الصلة في التوسل برجال السلسلة"، وذكر  فيها سنده إلى الشيخ إبراهيم رضي الله عنه ثم إلى الشيخ التجتني رضي الله عنه بادئا بشيخه الشيخ الهادي الذي كان الشيخ الرابط والسند الواصل الموصل.

يقول الشيخ أبي بكر عتيق برد الله ضريحه:

الحمد لله وصلى الله   : على محمد ومن والاه

ندعوك يا رب بجاه الهادي[7]: فلتهدنا لمنهج الرشاد

بإبراهيم رب هيمَنَّا   : بحب ذاتك وزدنا مَنَّا

بسر سر شيخنا التجاني: فسلِّكَنَّا منهج العرفان

هذه هي سلسلة وسند الشيخ أبي بكر عتيق: الشيخ الهادي بن سيدي مولود فال عن الشيخ إبراهيم عن الشيخ التجاني رضي الله عنه؛ وبهذه السند يرتبط كبار تلامذة الشيخ أبي بكر عتيق من أمثال الشيخ أحمد أبو الفتح اليرواوي وتلميذه الشيخ إبراهيم صالح الحسيني، والشيخ بلاربي جيفا بولاية سوكوتو، والشيخ أبوبكر المسكين بولاية بورنو، والشيخ يحي جيبيا بولاية كدونا، وغيرهم.

ويرتبط بسند الشيخ أبي بكر عتيق عن الشيخ الهادي اتباع الشيخ أبي بكر في نيجريا والتشاد ونيجر وغانة والكمرون.

وقد نظم الشيخ ابي بكر عتيق قصيدة وداع للشيخ الهادي في أحد اسفاره إلى نيجريا يقول فيها (من بحر الوافر)[8]:

أيا هادي المريد إلى المراد : أيا من قد هدانا للرشاد

 أيا هادي ولي الله يا من : بهمته وصلت إلى مرادي

ونائب شيخنا برهام فينا : تمد الواصلين وكل صادي

ألا يا نائب التيجاني يا من : أتانا للهداية أنت هادي

 لقد أرشدتنا لقويم نهج : لحضرة ربنا وسناك بادي

 وقد أحييتنا وجزيت خيرا : وكنا قبل في ظلم الدآدي

 إلى أن يقول:

تذكرني خديمك في دعاء : بنيل سلامة ورضا الجواد

وبلغه السلام لإبرهام : وسائر أهله أهل الوداد

وقل لهم تركت لكم محبا : بكانو حائرا خفق الفؤاد

 وليس له لغيركم ركون : ولا شغل بعمرو أو زياد[9]

 على المختار من ربي صلاة : مدى قول المتيم والمنادي

 ألا فانزل بخير مع سلام : أيا هادي المريد إلى المراد

وقد ذكر الباحث محمد الأمين عمر في تحقيقه لديوان الشيخ أبي بكر عتيق أن الشيخ الهادي كان ممن اعتمد عليهم الشيخ أبي بكر عتيق في الطريقة، وفي التصوف حيث قال: " ومنهم أيضا السيد الفاضل محمد الهادي بن سيدي مولود فال وهو من أكاب تلاميذ الشيخ إبراهيم الكولخي".[10]

إدخاله الفيضة إلى جمهورية غانه

 

يقول الباحث الغاني الحاج عبد الودود سيسي في الصفحتين 159، 160 من المطلب الثاني من  كتابه "بشرى المحبين والمريدين" متحدثا عن دخول الفيضة التجانية إلى دولة غانه:[11]

"وأما بالنسبة لأهل غانه شقيقة نيجريا فأول من رحل إلى كولخ وتربى هنالك على يد الشيخ إبراهيم هو خليفته السابق الحاج آدم بابنمكرنتا، وذلك أن الشيخ مولاي محمد الهادي مولود فال زار غانه وواصل سفره إلى مدينة كوماشي واتصل هناك بكبار علمائها في ذلك العصر؛ ولما أراد الشيخ الهادي أن يحج ذهب ليستأذن الشيخ فقال له الشيخ من جملة ما أوصاه به "إن لك في الطريق إخوانا خذ بأيديهم".

إلى أن يقول "اتصل الشيح محمد الهادي بكبار علماء كوماشي منهم: مالم محمد الثاني وهو رئيس قبيلته وخادم للعلم، ثم العالم محمد شيروم والعالم آدم والد إمام غرب الحاكم، ومنهم العالم الكبير مالم شعيب، وتكلم معهم في أمر الشيخ وأخبرهم بظهور الفيضة على يد الشيخ إبراهيم نياس وتكلم أيضا عن العلوم التي أظهرها على يد الشيخ وما إلى ذلك من المواهب اللدنية، وأخبرهم بأن الشيخ إبراهيم هو صاحب الفيضة التي أخبر بها مولانا أحمد التجاني".

وأورد الباحث الحاج عبد الودود في الصفحة 159 قصيدة نظمها الحاج علي كوماشي في مدح الشيخ الهادي، يقول فيها:

أهلا وسهلا بالإمام الهادي: العارف المفضال نجل الهادي

نجم الحقيقة قد أنار بلادنا: بمعارف جلت عن التعداد

نجم سما بمعارف وحقائق: ودقائق كثرت  بغير نفاد

بشراكم يا أهل غانه بمرشد:  يمحو حجابا من شغاف فؤاد

يشفي نفوسكم بفيض علومه: بدر اضاء الأفق بالإرشاد

فرح إذا نزل المريد ببابه: يبغي اجتماع الشمل بالعباد

وكساه ثوبا من تجلي ذاته: وصفاته أفعاله برشاد

يسقيه خمرة شوقه يفنى به: عن نفسه والصحب والأولاد

لا عيب فيه سوى علوم حقيقة: وشريعة موصولة الأمداد

يا من يريد فناءه عن نفسه : وفناءه عن عالم الأجساد

وشهوده حضرات قدس إلهه: هرول إليه تفوز بالإمداد

وصلاة ربي للنبي محمد: ما حن مشتاق وغنى حادي

وممن مدح الشيخ الهادي  من علماء غانه، العالم الرباني الشيخ نوح عباس الذي يقول في بحر المتقارب:

وفي كل شيء له آية: وآيتنا شيخي هادي الورى

محمد هاد هدانا لسبل: سلام وقرب لرب الورى

ويقول العالم العارف الغاني الحاج بابا الواعظ مادحا الشيخ الهادي بلغة هوصا:

بزام منت دكي با  : سنو شريفي هادي

كيني كنشر قمشي : لشيخ كولخ هادي

كيني نفاطم زهر   : ماتن شريفي هادي

وهذه ترجمة للأبيات المذكورة أعلاه:

لا لن ننساك : ما أعظمك أيها الشريف الهادي

أنت الذي نشرت عطر الشيخ الكولخي يا أيها الهادي

أنت تنمى لفاطمة الزهراء بنت النبي الشريف الهادي

ولم تمض السنوات العشر الأولى لتوليه السفارة عن الشيخ في البلاد النائية حتى انتشر الفتح المبين بين المريدين وتوطد الانتماء للطريقة وقبل هذا وذاك تعلم الناس أحكام الدين.

وكان الشيخ الهادي يواصل فتوحاته ويبلغ الشيخ بما حققه،  كما كان الشيخ يوجهه ويرشده في مهامه وهو ما يتضح من خلال المراسلات الكثيرة المتبادلة بينهما والتي تؤكد كلها الجهد الكبير الذي بذله الشيخ الهادي لترسيخ أركان الفيضة التجانية.

 



[1] راجع الصفحتين:92 و93 من كتاب إتحاف الإخوان بمآثر غوث الزمان :طباعة مكتية ومطبعة الشمال : كنو- نيجريا.

[2]  ولد الشيخ محمد الرابع في كنو عام 1315 هـ الموافق لعام 1894م بكانو، وتوفي في باماكو عائدا من زيارة الشيخ إبراهيم نياس عام 1959م.

 

 [3]  راجع تجاني زبير محمد الرابع -تحقيق كتاب "جمع المنافع على قراءة الإمام نافع" -تأليف الشيخ محمد الرابع بن يونس-الطبعة الأولى-مطبعة كنو 2010.

[4]  راجع الصفحات 43 ،51، 53 من كتاب جمع المنافع على قراءة الإمام نافع" آنف الذكر.

[5] علامة نيجريا الشهير والداعية التجاني الكبير الحاج أبوبكر عتيق بن الخضر (1909م-1974م),

[6]  راجع: الشيخ أبوبكر عتيق وديوانه: هدية الأحباب والخلان في مدح سيد الأكوان وابنه القطب التجاني، تحقيق: محمد الأمين عمر: طباعة مطابع الزهراء للإعلام العربي-1988م-مدينة نصر- جمهورية مصر العربية (رقم الإيداع:1988/7843).

[7]  ذكر محقق ديوان الشيخ أبي بكر عتيق في الصفحة 62 الهامش2 : "يريد بالهادي هنا: الشيخ محمد الهادي بن سيدي مولد فال وهو من أكابر أصحاب الشيخ إبراهيم الكولخي رضي الله عنه".

[8]  راجع الصفحة 113 من كتاب الشيخ أبي بكر عتيق وديوانه" آنف الذكر.

[9]  علق محقق الديوان آنف الذكر على هذا البيت بقوله في الهامش 1 من الصفحة 114: يريد هنا أن يقول أنه لا يركن لأي أحد سوى الممدوح

[10]  راجع الصفحة 19 من كتاب الشيخ أبي بكر عتيق وديوانه" آنف الذكر.

[11]  كتاب "بشرى المحبين والمريدين"-تأليف الحاج عبد الودود سيس- مطبعة مركز كوماشي-طبعة 2 يناير 2009