السبت، 12 يناير 2019

ما هو التصوف؟

التصوف روح الاسلام
_______________
✏//بقلم العلامة
الحبيب علي الجفري

التصوف صارت كلمة تحدث عند كثير من الناس إشكالا , صارت تحدث حساسيه عند الخلق , والسبب في ذلك ,السوء الذي وصلت إليه الأمة من التدهور ,
يقول العلماء: ان الحكم علي الشئ فرع عن تصوره , فما هو المقصود بالتصوف حتي نحكم عليه , أخير هو أم شر ؟؟

التصوف الذي يعرفه أئمة السلف من لدن الحسن البصري إلي المتأخرين ممن أدركناهم من مشايخنا ,عرفوه بأنه هو الإنشغال بتحقق الإنسان بالركن الثالث من الدين وهو "الإحسان" ,
فعلم الفقه اشتغل بأركان الإسلام الأربعه الصيام والصلاة والزكاة والحج وما يتبع ذلك من معاملات , وعلم التوحيد الذي سمي بعد ذلك بعلم العقيده وكلمة عقيده لم تكن معهودة في عهد الصحابة ومن بعدهم ,استنبط من أركان الإيمان وهو الركن الثاني من الأركان الستة للدين , والتصوف هو العلم الذي اعتني باستنباط الأحكام والآداب التي يصل بها الإنسان إلي تحققه بالركن الثالث من أركان الدين وهو مقام الإحسان ,
إذن .. تعريف هذا الأمر هو أمر راقي , هو أرقي أركان الدين التي نطلبها
♡☆♡☆♡☆♡☆♡
نأتي بعد ذلك للإسم .. من اين جاء اسم التصوف ؟
فلم يوجد شئ أيام النبي صلى الله عليه وسلم اسمه تصوف !
وهذا تساؤل ينم عن جهل قبيح , لأنه عند أهل العلم أنه لا مشاحة في الاصطلاح , سميه ما شئت أن تسميه مادام الاسم ليس محرما , المهم هو ما تحت هذا الاسم ,
فمصطلح "علم العقيدة" لم يكن موجودا لا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ,
علم أصول الفقه لم يكن موجودا أيام الرسول ولا الصحابه , علم التجويد لم يكن موجودا أيام الرسول وأيام الصحابة بهذا الاسم , وإنما كان يتلقي لترتيل القرآن الكريم , علم الجرح والتعديل الذي به نعرف صحيح الحديث من ضعيفه و حسنه، ومن موضوعه لم يكن موجودا أيام رسول الله ولا أصحابه ,
إذن ..كلمة "لم يكن موجودا أيام الرسول والصحابة" ليست حجة كافيه لننبذ المسمى ,
فمن أين جاء اسم "التصوف" ؟
قالوا جاء من أهل "الصفة" وقد حرف من صفي -بتشديد الفاء- إلي صوفي ، وقيل جاء الاسم من المصافاة , صافاه الله من قبل الحج فسمي صوفيآ ,
وقيل أنه أخذ من "الصوف" ولا خطأ في ذلك , لأنه في عهد التابعين لما وجدوا الناس انكبوا علي الدنيا وأقبلوا عليها , وصاروا ينشغلون بملذات التوسع في المطعم والملبس ,والمسكن والمركب , لجأوا إلي التقلل من ذلك كله , وكان أرخص الثياب في ذلك الوقت هو "الصوف" ,
فكان هؤلاء الأئمة من الزهاد الصادقين في المعاملة مع الله إلتجأوا إلي أرخص الثياب زهدا في الدنيا فلبسوا الصوف فنسبه الناس إليهم فسموهم الصوفيه ,
فهذا هو الاسم وهذا المسمي , ولا غبار علي الاسم ولا علي المسمي ,
فهل كان السلف الصالح من أهل السنة والجماعه هم الصوفية ؟

الصوفية بهذا المعني الذي عرفناه هم أهل السنة والجماعه , ولو رجعتم إلي شرح صحيح مسلم للإمام النووي ستجدونه في ذكره لسنده الذي يروي به صحيح مسلم إذا أراد أن يمدح بعض شيوخ السند يلقبه ب"الصوفي" ,
واذا رجعتم إلي كتاب يسمي "صفة الصفوة" للإمام الحافظ ابن الجوزي لوجدتم أنه ترجمه لأكابر أئمة التصوف , من القرن الأول والثاني والثالث والذي يليه , وجعلهم صدور المترجم لهم المكتوب عن سيرهم ليقتدي بهم في كتابه هذا ,
ولو رجعتم إلي "أعلام سير النبلاء" للإمام الحافظ الذهبي , لوجدتم أنه ترجمة لشيوخ طائفة الصوفيه رحمهم الله ونفعنا بهم .

إذن .. الذي كان عليه السلف الصالح هو تعظيم هذا الاسم , وجعلوه مدحة اذا أرادوا ان يمدحوا به شخص أنه صوفي , وحتي من يحاول ان ينتقد ما كان عليه السلف الصالح وينكر "الصوفيه" , ويدعي أنه هو السلف الصالح دون سواه , فالمراجع التي يرجع إليها في انكاره كمراجع الشيخ أحمد ابن تيمية ,والإمام ابن القيم , لو قرأت كلامهم عن الصوفية ,لاستحييت أن تقبل كلام المتجريء عليهم ,
فقد ألف ابن تيمية كتابا سماه "الصوفية والفقراء" , أفرد مجلدين من الفتاوي في الكلام عن الصوفية و ذكر ان له سندا في الرواية عن القطب الإمام عبدالقادر الجيلاني شيخ الطريقة القادرية ,وكان ابن تيمية اذا ذكر في فتاويه الامام عبدالقادر الجيلاني يقول -قدس الله سره- وهذه لفظه يصطلح عليها الصوفية في كلامهم ,
أما ابن القيم فله كتابا في التصوف , شرح فيه كتاب في التصوف وسماه "مدارج السالكين في شرح منازل السائرين" , ومنازل السائرين هذا كتاب لعبدالله الهروي ,
اذن .. فالتصوف هو أصل روح الكتاب والسنة , هو التخلص من أدناس القلب وطهارته والتعرض لنفحة الرب عزوجل .

ما هو دور الصوفية حتي نعرف هل هم صادقون في نسبتهم إلي هذا العلم أم لا ؟
فإن جئنا من جانب العلم , فأكابر العلماء هم من الصوفية , ولا يستطيع قارئ من القارئين أن يروي سندا من القراءات السبع خاليا عن امام من أئمة الصوفية , فنجد على سبيل المثال أن مرجع أسانيد علم القراءات في مصر يتحد عند الإمام شيخ الإسلام زكريا الأنصاري , جميع القراء اذا روو السند يرجعون إلي زكريا الأنصاري , و زكريا الأنصاري هو من كبار أئمة الصوفية , وله كتاب شرح فيه الرسالة القشيرية وهو بمثابة "دستور التصوف" كما يقولون .
جميع أسانيد الأمهات الست في الرواية كالبخاري ومسلم وغيرها فجميع الأسانيد التي تروي علم الحديث , لا يستطيع أحد ان يتصل بها إلا عبر أئمة الصوفية ,
فإذا كان هؤلاء هم الذين خدموا علوم الدين أصبحوا يشكك بهم ,فغدا سيتوجه الشك إلي الكتاب والسنة , فلا ينبغي ان نشكك بهم لأنهم هم أعظم من خدم الكتاب والسنه .
لا تكاد تجد شارحا من شراح علم الحديث من كتب الأمهات الست إلا و له صلة بالصوفية , الامام ابن حجر العسقلاني صاحب "فتح الباري" شارح البخاري , هو الذي ألف ترجمة للامام عبدالقادر الجيلاني جمع فيها كراماته وأحواله ومجاهداته وما كان عليه , وهي مطبوعة ومعروفة ,
الإمام النووي شارح صحيح مسلم كان من كبار الأئمة الذين لهم الصلة القوية بالصوفية ,والذي يقرأ كتابه "الاذكار" و "التبيان في ادب حملة القرآن" و كتبه الذي تحدث فيها عن الأداب والرقائق ,يجد نفحة التصوف بارزة في كلامه , وقد ذكر في ترجمة الامام النووي أنه في آخر عمره وقد كان في دمشق يدرس في دار الحديث , جاءه احد فقراء الصوفية وقال : يا امام ان أحببت فإرتحل إلي نوي , فقد دنا الأجل .. فأخذ الامام النووي بكلام هذا الرجل الصالح الفقير وإرتحل إلي نوى , فلم تمضي أيام حتي لقي الله عزوجل , وهو في ال44 من عمره ..
فيأتي هنا إشكال , كيف عرف هذا الرجل الصالح الفقير ان وقت موت الامام النووي قد قرب ؟ هل يعلمون الغيب ؟
الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله , لكن الله يظهر من غيبه المطلق غيبا مقيدا يطلع عليه من شاء من عباده "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالي" ..

الصوفية والجهاد

هذا من جهة العلم ,, اما اذا جئنا من جهة الجهاد في سبيل الله عزوجل , فجميع المعارك التي عرفها المسلمون ضد القادمين عليهم , أئمتها و قوادها كانوا من أئمة الصوفية ,
من الذي أعاد بيت المقدس وقاد معركة تحريره ؟ صلاح الدين الأيوبي .. صلاح الدين هو الذي بني مدارس الصوفية في جبل "قسيون" في سوريا , ليهيأ منها الرجال الذين يتهيأون للجهاد في سبيل الله تعالي ,
هو الذي بني قبة الامام الشافعي الموجوده في مصر ,
صلاح الدين الأيوبي و أيضا نور الدين زنكي جعلا المنهج الذي يربون عليه من معهم او يستقطبون به من يجاهدون في سبيل الله هو "إحياء علوم الدين" وهو كتاب التصوف الكبير , وهذا الكتاب لم يفرد فيه بابا واحدا للجهاد لكنهم علموا ان السبب لتضييع المسلم لفريضة الجهاد هو حب الدنيا وكراهية الموت كما جاء في الحديث النبوي الشريف "الوهن" , فأخذوا الكتاب ليعالج هذا المرض وهيأوا الناس للجهاد .

من الذي كان في قيادة الحمله التي حبست لويس التاسع في مدينة المنصورة في مصر ؟
إنه الامام أبو الحسن الشاذلي رحمه الله , وكان قد جاوز الستين من عمره و كف بصره , فخرج حاملا للراية وهو يقول : الجهاد الجهاد ,, ومريدوه يأخذون بيده يقودونه , وإلتف حوله عصبة من أكابر العلماء ,كسلطان العلماء العز ابن عبدالسلام وغيره ,وكانوا هم في فسطاط الجهاد في الجيش الذي سجن لويس التاسع .

من الذي كان يقود الحملات التي تهاجم معسكرات التتار في الليل للتفريج عن أسري المسلمين ؟
انه الامام أحمد البدوي شيخ (الطريقة الاحمدية) رحمه الله تعالي ونفعنا به .
من الذي قاد حركة المرابطين في المغرب ضد المستعمرين ؟
انهم الصوفية ,
من الذي أقام الجهاد الكبير في ليبيا لتحرير أرض المسلمين من المستعمرين الايطاليين ؟
إنه عمر المختار , أحد أتباع الطريقة السنوسية .
من الذي قاد حملة المقاومة ضد المستعمرين في الشام ؟
إنهم شيوخ الطريقة النقشبندية والشاذلية .
من الذي قاوم المستعمرين البرتغال في اندونيسيا ونواحيها ؟
انهم شيوخ الطريقة العلوية .
وغيرهم الكثير ..

فالذي يتأمل هذا المعني ويستطرد ويتفقد من العصر الاول إلي الآن ومن الشرق إلي الغرب , لوجد انه ما من راية جهاد إلا والصوفية هم حمالها في هذا المجال .

الصوفية والدعوة الى الله
ولو جئنا إلي الدعوة إلي الله .. من الذي نشر الاسلام بالدعوة إلي الله بغير قتال ؟
إنهم الصوفية ,
لو جئت إلي جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا لوجدت ان السادة لأبي علوي أهل هذه الطريقة هم الذين نشروا الاسلام فيها ,
لو جئت إلي وسط أفريقيا وغربها لوجدت ان أصحاب الطريقة التيجانية وغيرها هم الذين قاموا بخدمة نشر الاسلام فيها ,
وقد كتب أحد القائمين بالتنصير في بعض أدغال أفريقيا مذكراته وهو من فرنسا , كان يقول في مذكراته ان أعظم عقبة كانت تقف في طريقنا لنقنع المسلمين ان يتركوا دينهم , أحد رجلين , إما رجل يقولون أنه من أهل محمد فإذا أتى احيا مشاعر الولاء لمحمد في قلوب الناس بمحبة الناس لأهل البيت , فأفسد علينا عمل أشهر في ليلة , وإما رجل من الذين يسمون أنفسهم "الصوفية" يأتي إلي مكان قد اجتهدنا عليه ستة أشهر أو اكثر مالا وطعاما وكساءا لنغير دين الذين في تلك المنطقة مستغلين جوعهم وحاجتهم , فنجد هذا الرجل الصوفي يأتي ويقيم حضرة يجمعهم فيها علي الذكر "لا إله إلا الله ", فيحيي ايمانهم ووجدانهم فيفسد عمل أشهر في ليلة واحده .
هذا في مجال الدعوة ..

الصوفية و الاقتصاد
أما في مجال الاقتصاد فنجد أن أكابر الذين أحيا بهم الله ثقل الاقتصاد الاسلامي ,ووضعوا وسائل البيع والشراء وتنظيم حركة السوق عندما كان الاقتصاد الاسلامي منتعشا , هم أئمة الصوفيه : الجنيد ابن محمد سيد الطائفة , كان صاحب متجر وكان من تجار بغداد , الامام أبو حنيفة كان من كبار التجار وهو صاحب تصوف .. وغيرهم الكثير من أكابر أئمة التصوف , فمنهم كانت ألقابهم تدل علي مهن كانوا قد امتهنوها كالنساج والغزالي والحداد تحيي اقتصاد الناس الذين يحيطون بهم

اذن .. جوانب الدعوة والاقتصاد والعلم والجهاد , علي أرض الواقع الذي نراه , ليس خيالا ونظريات وخطب , الصوفية كانوا هم أصحاب خدمة الدين فيه ,,
فالذين يضادون الصوفية الآن نسألهم : أين أثركم أنتم في الأمة ؟
عصر أولئك كان العصر الذي علت فيه الأمة , وعصر اليوم الذي يحارب فيه هؤلاء الصوفية ويفتري عليهم هو العصر الذي سقطت فيه راية الاسلام في كثير من القلوب قبل البلدان .

وأخيرا , شبهة تثار أن كتيرا ممن يقولون أنهم صوفية يرتكبون ما لا ترتضيه الشريعة , هذا موجود , مندسون علي التصوف بكثرة في كل مكان وزمان و في زماننا أكثر , فهم من المتمصوفة ,والتصوف برئ منهم ..
يقول في هذا المعني الامام الجنيد قاعدة قد وضعها , قال : اذا رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي علي الماء فلا تغتروا به حتي تقيسوه علي الأمر والنهي , فإذا وجدتموه ممتثلا للأمر ,منزجرا عند النهي , فهو من أولياء الله الصالحين , وهذه الفعلة الخارقه هي كرامة أظهرها الله علي يده , وان وجدتموه يخالف الأمر والنهي فاضربوا بكرامته عرض الحائط فإنه زنديق"
هذه القاعده التي يفهم بها التصوف كما ينبغي ..
التصوف كغيره من علوم الشريعة كعلم الحديث ,كعلم الفقه ,كعلم التفسير ,كعلم التوحيد ,اندست فيه أقواما ادعوه وهم ليسوا من أهله .. كالذي دخل علي علم الحديث باسم الحديث ووضع الاحاديث علي رسول الله وكذب عليه ؟
فهل نقول علم الحديث هذا به ناس وضاعين ,فتجنبا للشبهة إلغوا علم الحديث ؟
لا يتأتي ذلك ..
علم الفقه أليس فيه الفقهاء المرتشون الذين يبيعون الفتوي من أجل الدنيا ويبيعون دينهم ؟ هل نلغي علم الفقه من أجلهم ؟ لا ينفع هذا ..
علم التفسير أليس فيه من أطنب وأغرب في الإسرائيليات ؟ هل لأجل هذا نلغي علم التفسير ؟ لا يقبل هذا ..
علم التوحيد اليس من دخل فيه بالتجسيم والتشبيه والتعطيل والامور التي تخالف العقيده ؟ هل نلغي علم التوحيد ؟
هذا لا يقول به أحد ..
فإذا ألغينا علم التصوف ,وهو أساس في الدين ,فقد ألغينا أهم شئ في الدين وهو القلب , موضع نظر الرب عزوجل , من أجل أناس اندسوا فيه فقد ألغينا الدين .. لكن الصواب هو ان نعيد الامر إلي نصابه ,
فإذا أردت ان تتصوف ,فتحقق من الذي ستأخذ عنه التصوف ؟ من الشيخ الذي تطمئن له ؟ هل عنده علم شرعي ؟ هل تلقي بسند متصل في العلم الشرعي والعمل به في التزكية وفي التهذيب؟
هل سلوكه مستقيم يراعي السنة في عمله وفي هيئته واحواله ؟
هل تجد منه الصدق في المعامله وايثار الباقي علي الفاني ؟
هذا هو المقياس , اذا توفرت هذه الشروط واطمئن قلبك له , فخذ عنه التصوف واتبعه ,
, فالخلل الذي يحدث عند العوام عند اختيار الشيخ ,يظنون انه هو الذي يأتي بالخوارق ويطير ..هذا ليس بشيخ ,
لأن حقائق الكرامة ,هو ان يقيمك علي قدم الإستقامه .
ولذلك قالوا : ان الاستقامة هي أعظم كرامة ....

فمن مكر أعداء الاسلام ان يوجدوا في نفوس شبابنا اشمئزازا من الأئمة السابقين من السلف الصالح الصوفية وغيرهم ,حتي تأتي الأجيال القادمة فينفون العلم كله لأنه وصل عن طريق هؤلاء القوم .. فنسأل الله السلامة من التجرئ علي أولياء الله الصالحين , يقول تعالي في حديث قدسي " من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب.

#التصوف_روح_الإسلام من

الأحد، 6 يناير 2019

رسالة الشيخ حول منع سفر النساء بلا محارم


 
 





الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى،

     وبعد فسلام سليم لا لغو فيه ولا تأثيم، يؤمُّ حضرة السيدين والقدوتين الأمثلين المقدميْن الكبيرين سَمِيِّ الشيخين ومظهر الصفوتين سيدي الشيخان بن الشيخ الخليفة محمد وأخيه الفائق والصاحب الموافق سيدي محمد المشري بن الشيخ عبد الله،
 السلام عليكم وعلى الإخوة ومن معكم من الأحباب،


 يليه الإعلام بأني آمركم أن تزجروا النساء عن الخروج للسفر إلينا، إلا من كانت منهن معها بعلها أو محرمها الذي يتكفل بمؤونتها وإلا فلا، وخير الكلام ما قل ودلّ ولتبلغا عني هذا الخبر إلى كل من يسمع لنا ويمتثل أمرنا عموما وخصوصا.

    والسلام
ابراهيم بن الحاج عبد الله انياس

الخميس، 3 يناير 2019

حياة محمد مولود بن احمد فال

أعلام الصحراء(21):
العلامة آدَّ اليعقوبي

بعد الدنس الذي أصاب سمعة ولاية الترارزه من جراء تصرف بعض متملقي أبنائها(والبياض قليل الحمل للدنس)، وبما أن الليلة ليلة الجمعة، وبما أن الفضائل الإسلامية صارت من أقل العلوم الشرعية انتشارا وتعاطي، وبحكم أنني لم أقف -فيما وقفتُ عليه- على هذا العالَم الأزرق على ترجمة له، أردتُ أن أقدم هذه الترجمة للعلامة الوحيد والنظامة المُجيد: محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي الشهير بلقبه "آدّ"، هذا العالِم الذي قليل من رواد المحاظر من لم يستفد من آثاره خصوصا في الفضائل الإسلامية، واشتُهر عند البعض بـ"صاحب الكفاف" دون أن تكون له حتى معرفة باسمه، أرى أنه ما أعطي حقه ولا أنزل منزلته رحمه الله.

هو محمد مولود بن أحمد فال بن محمذ بن الأمين بن المختار بن ألفغ موسى بن يعقوب بن أبي موسى بن أبيال بن عامر بن أبيال الأكبر بن ابهنضام الجد الجامع لقبيلة إديقب الحسانية وأحد الخمسة المؤسسين لحلف تشمشَ، وأمه مريم منت محمد مولود بن الناهي من أسرة أهل أحمد ول لفظيل وهم أسرة من "تياب" أولاد زنون من قبيلة أولاد دمان التروزية، وقد اشتُهرت أسرة أهل ألفغ موسى اليعقوبية بالقضاء حتى أن كل والدي المؤلف إلى ألفغ موسى كانوا قضاة، قال العالم الأديب امحمد بن أحمد يوره الديماني:
والموسويون الألى قد فصلوا ... حكم القضاء بكل حكم فيصل
وقال الشاعر الخنذيذ المامون بن محمذ الصوفي اليعقوبي:
يا آل موسى لم تزل حضراتكم ... وظلال حلتكم محط الأرحل
لا تبرحن نار القراءة والقِرى ... فيكم بني موسى هدى للنزّل

كان والده أحمد فال قاضيا معتمدا في عموم الترارزه وكان نظامة حسن النظم بالفصحى والعامية، ومن نظمه بالفصحى:
دويبة سوداء لا تكاد ... تفارق الإبل هي القُراد
فإن تمت بلبن تنجسا ... إن كان بالتغيير قد تلبسا
وغير آسن-حكى الأجهوري- ... كحكم آسن على المشهور
وحكم قشرة الضروع حكم ما ... قُدّم في القراد عند العلما
ومنه:
وليس ما بقي في المذبوح ... في موضع الذبح من المسفوح
ومن نظمه بالحسانية:
مول الفطرَ كان ارسلهَ ... واتعيثر بيهَ مرسولُ
ما لازملُ لخلاص الهَ ... الخرشِ هاذَ مقولُ

وجده لأمه محمد مولود بن الناهي كان عالما يشار إليه، تتلمذ على الشريف سيد محمد الصعيدي وله عدة مؤلفات، فمحمد مولود بالخلاصة سليل أسرتين علميتين كبيرتين.

وهو كما هو واضح مسمى على جده محمد مولود بن الناهي، وقد لقب "آدَّ" ولعلها لقب كان يناديه به أبناؤه فاشتُهر به على عادة بعض الصحراويين.

ولد محمد مولود(آدَّ) في حدود 1844م، بدأ دراسته على والدته مريم التي أخذ عنها جل أو كل القرآن، وتلقى التجويد على بعض أقاربه، ثم انتقل إلى محظرة النحوي محمد عالِ(معِ) بن سيد بن سعيد الألغ حيبلي فأخذ عنه النحو، وأخذ الفقه عن ابن عمه محمد مختار بن حبيب الله بن محمذٍ(آبَّ) اليعقوبي، كما حضر دروس العلامة محمذ فال بن متالِ التندغي.
لكن جل معارف آدَّ اكتسبها من مطالعته في مكتبة جده محمد مولود بن الناهي ومكتبة والده القاضي أحمد فال، وكان ذكيا ثاقب الذهن محبا للعلم.

وسرعان ما ظهر آدَّ أعجوبة زمانه وعالم أوانه، فقد انتهى في علوم كثيرة: علوم القرآن والحديث والفقه واللغة والأدب والسلوك، وكثر تلاميذه واشتهر ذكره، وقد بلغ مرتبة الإجتهاد بحيث أنه اطلع على أقوال العلماء في المذاهب الأخرى كما يستشف من آثاره، مثل قوله في الكفاف:
ونهج قوم منهم ابن حنبل ... نقض الوضو بأكل لحم الإبل
والذبحِ عند قوم آخرينِ ... وعروة بمس الانثيين
وحلقة الدبر لدى حمديس ... من قومنا والشافعي الإدريسي
وللإمام الحنفي النقض حصل ... إن قاءَ أو فُصد أو قهّ مُصل
وكقوله فيه في باب الذكاة:
وجاز ذبح الشاة من قَفاها ... لدى الثلاثة ومن قفاها
يعني بالثلاثة الأئمة الثلاثة غير مالك.
كما يستشف منها تماشيه مع القرآن باستحضاره الدائم للغته، كقوله في الكفاف:
وعاقد بعضوه رأس جمل ... فما أقلته السفينة حمل
وهو يعني بالجمل حبل السفينة الذي تربط به بالمَرسى، وهو المذكور في قوله تعالى: "حتى يلج الجمل في سَم الخِياط"، وكقوله فيه في نواقض الوضوء:
وغيبة الحِلم كنوم ثقلا ... أو جن أو سكر أو اغما تبَلا
فالحِلم فُسر بالعقل في قوله تعالى: "أم تامرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون"، وقوله فيه:
صحّ عن النبي كُره البَرد ... قبل العِشا وسمر من بعد
فالبَرد فسرت بالنوم في قوله تعالى: "لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا"، وقوله فيه في فصل سترة العورة:
تمامُ بين ركبة وسره ... وما عدا وجهَ وكفّ الحره
وبضروريّ تُعيد إن بدا ... خفيفها أَمَهاً أو تعمُّدا
فالأمه قرئ به قوله تعالى: "وادّكرَ بعد أمة"، وقوله أيضا فيه:
وفي ركوع وسجود أوّب ... وفي السجود فضلَه جلّ اطلُب
فإن التأويب فسر بالتسبيح في قوله تعالى: "يا جبال أوّبي معه والطير".

تميز آدّ بكثرة التآليف النثرية والنظمية، والناظر في أحد تآليفه في أحد العلوم يحسبه لم يتخصص إلا في ذلك العلم، ولم تتميز مؤلفاته فقط بالكم لكنها أيضا كانت غاية في الجودة، ورغم ضياع أغلبها إلا أننا نذكر مما وصل منها:
*في علوم القرآن:
- نظم بصائر التالين لكتاب رب العالمين وشرحه، يقول في بدايته:
الحمد لله على إتحاف ... هدى ونور للصدور شاف
وصلواته تسح أبدا ... على محمد ومن به اهتدى
هل غادر السلف من تردم ... أم هل فنى فيهم نوال المُنعم
لا والذي مبسوطة يداهُ ... ما نقصوا بذرة نداهُ
بل يده سبحانه سحّاء ... لبدَ لا يغيضها عطاء
هذا وهاك من أداء ذكرِه ... ما يخرج التالي به من نثرِه
مع اختصار موعب لم أجد ... له نظيرا في نواحي بلدي
إلا المخارجَ فقد كفاني ... مؤنتها البري والجكاني
أضاف لاتفاقهم ما فيه ... من نهج ورش حسبُ مقتفيه
صنيعه إطلاق ما لا خلف فيهْ ... وعزو ما فيه خلاف لذويهْ
وأسأل الوهاب أن يكونا ... عونا على كتابه قالونا
..
- البشائر في تفسير القرآن.
- نظم في التفسير.
- نظم آداب التلاوة وشرحه، يقول فيه:
فالأدب الأدب يا ذا التالي ... فقارئ النور يناجي العالي
هيء لنجوى الملك الديان ... طهارة الحدث والمكان
واستك لها والبس لباس الزينه ... ولازم الوقار والسكينه
مخبت قلب مخلصا مستقبِلا ... إن لم يكن في ملإ أما ملا
مجتمع لذكر أو تدارس ... فينبغي تحليقهم في المجلس
..
- ما أجمع عليه القراء من واجب الأداء.
- القول السديد في وجوب التجويد.
- نظم مترادف القرآن، مع شرحه.
- شرح على ابن بري.
- نقلة في أحكام الوقف.

*في علوم الحديث:
- تأليف في مصطلح الحديث.
- تذييل لنظم صُلاحي بن الشيخ محمد المامي في تصحيح بعض شائع الأخبار، ومنه:
فهاك تذييلا لما صُلاحي ... روى عن الأستاذ ذي الصلاح
من صُح أو إبطال ما قد اشتهر ... بين الورى وشاع أنه خبر
..

*في اللغة، وكان آدّ عالم اللغة العربية في الصحراء في زمنه بلا منازع، وأنظامه خير شاهد على ذلك، ويروى أن أحد العلماء قال أن أنظامه يمكن أن تدرس طلبا فقط لما فيها من اللغة بغض النظر عن مواضيعها!،:
- إنارة الأفكار بشواهد النحو من الأخبار والآثار.
- العين الثره فيما يخفى من معاني الطره، علق به على طرة ابن بون على ألفية ابن مالك.

*في الفقه الذي كان آدَّ أحد أساطينه في زمنه:
- نظم كفاف المبتدي في فنيْ العادات والتعبد، وشرحه، وهو أجود نظم وقفنا عليه مستوعبا أبواب الفقه المالكي، يقول في بدايته:
الحمد لله الذي هدانا ... وبيّن الشرع لنا تبيانا
صلى وسلم على من أرسله ... معلما لدينه ففصله
هذا لما نص أعيان الكُتب ... أن مفيدات التصانيف تجب
صرفتُ همتي لصوغ نظم ... يُفيد الامي وغيرَ الامي
مبينا لما به البلوى تعُم ... لأمر الاشياخ بأُثرة الأهم
لا ما استبد ببلاد نائيه ... كالجُمعات وشراء الأهويه
فليدعه الداعي كفاف المبتدي ... في فنيْ العادات والتعبد
آثرتُ ميله إلى التوضيح ... وطي الاحكام على التوشيح
لذا كثيرا ما طوى طي السجل ... بيتا أو أكثر بشطر أو أقل
هذا وإني لم أكن جُذيله ... لكن تطفلا على سُخيله
فكم وكم من عامر في بلدي ... وعامر لمثله لم يهتد
وأسأل الوهاب علما نافعا ... وطيب العيش لمن فيه سعى
وحبه لكل من تدبره ... حتى يصير سمعه وبصره
فقلتُ بادئا بما البدء به ... نص الأجلاء على وجوبه
وهذا الكتاب لاقى شهرة كبيرة في الصحراء، ولعل أشهر مقاطعه قوله في باب النكاح:
في النُكح الاحكام فإن يخف زِنا ... والصوم لا يكفه تعيّنا
وحكمه الندب لمن لم يحتج ... إليه إن كان لنسل يرتجي
إن لم يخف من قطعه عن ما نُدب ... فاكره لغير راغب، لمن رغب
ندب، لمن لم يرجُ أو يرغب يحل ... وما يؤدي لمحرم حُظل
ويستحب كونها حسناء ... خَلقا وخُلقا عَفة عذراء
نسيبة خفيفة المهر ولم ... تقرب له جدا بدين تتسم
وكرهوا نكح الكتابيات ... وفرتنى أو لا تجوز هاتي
..
- مفتاح الظفر بشرح المختصر، شرح به مختصر الشيخ خليل.
- رحمة ربي وفرج كربي، وشرحها شكر النعمه بشرح الرحمه.
- إحكام المقال في أحكام السؤال.
- شرح على سلم القضاة.
- إزالة اللبس عن التنفل بالنجس.
- رسائل وأجوبة فقهية.

*في علم السلوك:
- نظم مطْهَرة القلوب من قتَرة الذنوب، ومقدمتها:
الحمد لله الذي بيّن ما ... للقلب من صقل وحِلي لزِما
صلى على محمد والآل ما ... كان إليه سُلّما وسلّما
ما نيرات درر التصوف ... في غيرها كدرة في صدف
وكسطور الضاد والظا ذهبا ... في جنب سطر بمداد كُتبا
هذا وقد رام لسان الحال ... أوان الأشغال والارتحال
مني كتابا في صلاح البال ... إذا بفضل الله في إسبال
فجئتُ في جوابه بنظم ... فصلٍ يفي بمُعظم الأهم
يدني البعيد لبطيء الفهم ... يغدو به الأمي غيرَ أمي
فقلتُ بادئا بقلب البدء ... إذ هو أشرف معاني البدء
..
- شرح على تصوف ابن عاشر.
*في الفضائل:
- نظم آداب المسجد، يقول في أوله:
الحمد لله الذي ذكر ما ... أعد للمعظمين الحُرَما
سمِّ وسلمنْ على النبي ... إذا دخلتَ مسجدا وحيّ
بركعتين أو رباع سبحل ... وحمدلن وكبرن وهلل
وقدم اليمنى وفتحَ أبواب ... الرحمة أسأل الكريم الوهاب
وإن خرجتَ منه أخرنها ... ورحمةٌ بفضل أبدلنها
..
- نظم أدبة الأدب في مأكل ومشرب، يقول في أولها:
الحمد لله الذي هدى إلى ... أدب ما أهدى إلينا من إلى
صلى وسلم على من تمما ... مكارم الأخلاق حتى قرما
وأسأل الله الكريم أن أبر ... نبيه في كل ما به أمر
كالأمر بالبلاغ عنه صادقا ... ومقرضا ربيَ قرضا رائقا
وحبِّ أحمدَ وقصِّ أثرِه ... ونصرِ دينه ونشرِ خبرِه
هذا ولما احتاج للقوت الورى ... وضعتُ للآداب فيه دفترا
أودعته مفتاح ظرف العدف ... وسترونه نقي الظرف
وهذا النظم شهير بين الناس، ومن أشهر مقاطعه:
واجتب ما النبي كان يجتبي ... في مأكل ومشرب إن تقأب
كالثفل والذراع والحلواء ... وبارد الكأس وكالدُّباء
وفي رسول الله أسوة فلم ... يمدح طعاما النبي ولم يذُم
والنفخُ فيه يُذهب النماء ... حسب ما به حديث جاء
مما يليك كل ودع ما لا يليك ... إلا إذا كان من اهلك الشريك
أو طيب القلب بذاك كانا ... أو كان ما اشتركتما ألوانا
ولك حيث كنتَ أنت المرغنا ... أو شركاؤك رضوا أن تقرنا
والأحسن الإيتار لكن من وحى ... لشُغُل فقرنه لن يقبحا
ومن شهير أبياته التي ما عادت متبعة!:
واتقّ ما حمي منه ما حمي، ... وأخذ لقمة وأخرى في الفم
- نظم محارم اللسان، يقول في أوله:
أحمد ربي والصلاة والسلام ... على محمد وآله الكرام
ما فاز ذو الصمت بطا النجاة ... وسبع آلاف من الخيرات
هذا ولما جاء في اللسان ... ما جا من الضرر بالإنسان
والسمعُ والبصرُ يشهدان ... وعنهما يُسأل كالجَنان
وأخبر الموصوف بالصدقين ... بفوز من وقي شر اثنين
ذكرتُ في الاثنين ما عساهُ ... يكون واقيا لمن قفاهُ
فقلتُ والله القديم الباقي ... بيده الأمور وهو الواقي
لكنه ربط بالمسببات ... أسبابها وحرم المحرمات
دونك فنًا من محارم اللسان ... لم يدره إلا فلان وفلان
وهو أوقع بذي البقاع ... من الرهان وخروج الساعي
تزيين ما الشارع قد شينه ... منها ومنها ذم ما زينه
لذا مسمي الحِرم باسم يوهم ... أن ليس حِرما آثم وآثم
آت بما يوهم منع الحل ... ومادح ظلم البُغاة العُدل
كذا حكاية مقال ناطق ... في جنب الانبيا بغير لائق
ما لم يسقه غرض شرعيّ ... له كأن يحذره غبيّ
ومنه أبيات شهيرة قلّ العمل بها في أيامنا كقوله:
وذكر ما بين الصحابة شجر ... إلا مبِينا أنهم على بصر
لحن القران والحديث حدرُ ... للف ألفاظهما يجرّ
شرحهما بالرأي أي بالعقل ... مجردا عن سند لنقل
وكقوله:
ومُخبر بغير ما تظننا ... ثبوته يجب أن يبينا
وكقوله، وللمحامين أن يسمعوه:
فالمرء إن جادل عن متهم ... بمبطل الدعوى أتى بمأثم
وسبُّه من سبَّه بأكثرا ... من عدوه أو بدمان مفترى
فالذنب بالآخَر لا يقابَل ... كما عن ابن العربي نقلوا
تذكير غضبان برب أو نبي ... إن كان لا يؤمن سوء الأدب
كذا الدعا بما لمعناه جهل ... أو طالبا ما شرعا أو عقلا حُظل
..
- الظفر بالمراد في البر بالآباء والأجداد، يقول في بدايته:
حمدا لمن قرن بالإيمان ... الإحسان للآباء في القرآن
وبالنعيم وعد الأبرارا ... ولم تكن عدته ضمارا
صلى وسلم على من قالا ... إنّ رضى إلهنا تعالى
والسخط منه جل مظروفان ... في المِثل من والديْ الإنسان
هذا ولما كان من دل على ... خير بحمد الله كاللذ فعلا
وأوجب البر على الأعيان ... بالجمع والسنة والقرآن
أردتُ أن أرشد بعض النبلا ... إذ عن حقيقة البرور سألا
فجئتُ في جوابه برجز ... وافٍ بمعظم المهم موجز
سميته "الظفر بالمراد ... في البر بالآباء والأجداد"
يا سائلا عن بر والديكا ... لبيك يا سائل معْ سعديكا
دونك تحرير الجواب نظما ... حي على البرور يا ابن أما
حقيقة البرور بالمقال ... والقلب والجسد والأموال
فالقول أن تقول قولا ليّنا ... حسب ما في الذكر جاء بيّنا
فانصحهما بالذل والوقار ... في شأن ذي الدار وتلك الدار
علمه ما احتاج له في الدين ... من فرض أو مندوب أو مسنون
ومنه قوله:
أما العقوق فمخالفة الاب ... فيما الخلاف فيه يوجب الغضب
وحيثما الخلاف لا يثير ... سخَطه فجرمه صغير
وهو من المحرمات الشائعه ... في بلْدنا ويا له من قارعه
..
- نظم في عيادة المريض يقول فيه:
عيادة المريض مما يجب ... بها ابتداء يطلب الأقارب
فإن تهاونوا بها فالصاحب ... فإن بها استخف فالأجانب
..
- نظم مأدبة الأنداب فيما للإنفاق من الآداب، وشرحها كشف الحجاب عن مأدبة الأنداب، يقول فيه:
حمدا لمن وعد أهل الأمر ... بالصدقات بعظيم الأجر
وفي كتابه العزيز قرنا ... بالشرك ترك بعضنا لحضنا
على المساكين وسا قرينا ... من كان الاشراك له قرينا
..
- آداب الضيافة.
- آداب طلب العلم.

- رسالة في تعليم الصبيان.

بعد هذا العرض الذي تناول بعض أعمال هذا العالم الجليل يمكن القول بثقة أنه كرس حياته لخدمة العلم ونشره بين الناس، وكانت أنظامه سلسة رنانة الكلمة مبسطة الأسلوب خالية من الحشو والتعقيد، وهو ما حباها هذه الشهرة الكبيرة وهذا القبول الواسع بين العلماء كما بين العامة.

وكان رحمه الله غاية في الإتباع، يكره كثرة التنقل والانهماك في رعي الماشية والميرة، لذلك كان أكثر سكنه مع أهل الآسكر (أي ملاك البقر)، ولما قال في بعض أنظامه:
علامة الولي عند العلما ... هجران ما الله تعالى حرما
وتركَ الانهماك في اللذات ... معَ المداومة في الطاعات
ذيّلها تلميذه محمد الخضر بن حبيب الله بقوله:
إن لم يكن محمدٌ مولودُ ... وليُّ شرعٍ فالولي مفقودُ
وكان يتسم بالشجاعة فلا يبالي بالظروف ويفتي بما ظهر له، وقد رد على أجلاء العلماء والقضاة ممن أدرك وممن قبله كالعلامة القاضي محنض باب بن اعبيد الديماني، والعلامة سيد عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي الذي خالفه في مسألة تغير الغُدر في البادية بسبب الحيوانات، وفي ذلك يقول:
ردُّ الأجلاء على الأجلا ... من الأبين والشيوخ دلا
مع قبول كل واحد نبِه ... له على جوازه أو طلبه
رد على مالك ابن القاسم ... وابن ابن عاصم على ابن عاصم
وابن ابن مالك على ابن مالكْ ... ولم يعب صاحب نقل ذلك
كذا الرهوني على رسوخه ... قد أكثر الرد على شيوخه
وذاك عندي أن حق الحق ... مقدم على حقوق الخلق
وقد رفض ممارسة القضاء لصالح إمارة الترارزه تورعا رغم أنه كان الأجدر بها في زمنه.
توفي سنة 1905م ودفن عند بلدة العرش من أعمال المذرذره:
وعام 'باكَ' صار في انسفال ... إذ مات فيه نجل أحمد فال
محمد مولود أعني الموسوي ... من كان ذا فضل وعلم مولوي
وكان يسقي البرد كل ظامي ... من الشروح ومن الأنظام
ومن فوائد لها لم يسبق ... معتزلا بالله ذو تعلق